كتاب قتل أمّة

اسم الكتاب: قتل أمّة
المؤلف: هنري مورجنطاو( السفير الأمريكي في تركيا ما بين 1913-1916)
ترجمة: د. ألكسندر كشيشيان
تقديم: د. حسين الشافعي (رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم)
الطبعة: الثانية
الناشر: المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم
سنة النشر: 2019
عدد الصفحات: 126 صفحة

بين يدي القارئ المصري خاصة والعربي عامة إحدى الكتب الوثائقية المهمة التي تتحدث عن المذابح الأرمنية في تركيا، والذي يحمل عنواناً مثيراً هو: (قتل أمة)، وتكمن أهمية الكتاب أن صاحبه ليس بالمعنى الدقيق مؤلفاً أو باحثاً، ولا كاتباً أو مؤرخاً، ولكنه بحكم موقعه ومنصبه الدبلوماسي كان يعيش في عاصمة الإمبراطورية العثمانية، حيث كان يعمل سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية في تركيا في الفترة ما بين (1913-1916)، ومن ثم واكب ظروف الصراع المرير بين الحكام الأتراك والمواطنين الأرمن، وقُدّر له أن يكون شاهداً على وقائع الاضطهاد العنيف لجموع الأرمن من قبل العنصريين الأتراك .
كما تكمن أهمية الكتاب أيضًا في أن مؤلفه ليس تركيًا دأبه التحامل على خصومه الأرمن، ولا أرمنيًا همّه التعاطف مع أشقائه الأرمن، ولا أرمنيًا همّه التعاطف مع أشقائه الأرمن، كما لم يكتبه باحث عربي مشدود شعوريًا إلى أواصر الصداقة التقليدية بين العرب والأرمن ونضالهم المشترك خلال حقبة قاتمة من التاريخ الحديث، ولكن صاحب الكتاب دبلوماسي أمريكي كان يمثّل بلاده لدى الدولة العثمانية، وأمريكا في إبّان الحرب العالمية الأولى كانت دولة من الدرجة الثانية من حيث القوة والأهمية في المجتمع الدولى بالقياس إلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ولعل الأهم من ذلك أنها كانت دولة محايدة في خضم الصراع الدولي، كما كانت سياستها بالإجمال سياسة مسالمة ما لبثت أن تجلّت في المبادئ الستة السلمية المشهورة، التي أعلنها رئيسها (ولسن)، وذلك قبل أن تتحول أمريكا بهذه السياسة في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى خط مغاير، وتسفر عن وجهها البشع لتغدو أكبر دولة إمبريالية عاتية في هذا العصر.
وأغلب الظن أن هذا الكتاب سوف تتلقاه الأوساط الثقافية على اختلاف اتجاهاتها بحفاوة بعد أن بقي أكثر من سبعين سنة مسطوراً باللغة الإنجليزية بعيداً عن عيون القُرّاء العرب. والآن ها قد ظهرت الترجمة العربية، بفضل الطبيب الدكتور الكسندر کشیشیان أحد الوجوه الثقافية البارزة في حلب والمعروف بنشاطه الاجتماعي والثقافي في الجمعيات الثقافية الأرمنية. وقد تطوع المترجم مشكوراً لدعم متن الكتاب بتعليقاتٍ ضرورية وحواشٍ توضيحية تُعد إضافة مفيدة إلى مادة الكتاب الأساسيّ التي مضت عليها أعوام كثيرة.
يحتوي الكتاب على تقديم وسبعة فصول، تحدث فيها المؤلف عن المحن والنكبات التي تعرّض لها الأرمن تحت وطأة الحكم العثماني – التركي في إطار ما كان يُعرف في أوائل هذا القرن العشرين بالمسألة الشرقية، أو بجانب هام منها، هذه المسألة التي كانت القضية العربية والقضية الأرمنية تُشَكِّلان أبرز وجوهها الشائكة والمُعَقَّدة.
وهذا الكتاب يتناول أيضا الحديث عن كثير من أعمال التهجير الجماعي والإبادة بالجملة لجموع السُكّان الأرمن، وما صاحب ذلك من تجويع وإذلال وانتهاك للأعراض وسلب للممتلكات تحت سمع الحُكّام العنصريين وبصرهم، بل بإيعاز منهم وتخطيط بأيديهم.
وقد أورد صاحب المذكرات أنه لم يكن بوسع دول إنجلترا وفرنسا أن تفعل شيئا لإيقاف الاضطهاد وتخفيف آلام الأرمن، لأنها كانت في حالة حرب مع تركيا، وحتى أمريكا نفسها، لم يكن لها هذا الثقل السياسي الكبير الذي يؤهلها للضغط على حكومة الأتراك والتأثير الفاعل في سياستها، وهنا يُبيِّن السفير مورغنطاو مدى مسؤولية ألمانيا في هذا الصدد لأنها كانت الدولة الوحيدة القادرة على ردع حليفتها تركيا عن سلسلة مظالمها الرهيبة. بل أن ألمانيا في واقع الأمر كانت قد أعطت الضوء الأخضر فيما يبدو لحليفتها وأطلقت يدها تجاه الأرمن.
وقد كشف المؤلف عن مواقف حاقدة للسفير الألماني في الآستانة ( فانکنهایم) الذي كان يعكس سياسة بلاده بلؤمٍ وخبث، وقد صرح مرّة في كثير من اللامبالاة بأنه ”من حق الأتراك أن يفعلوا بالأرمن ما يرونه ضرورياً لحماية مؤخرتهم وهم في حالة الحرب“، وحين تمَّت مواجهته بأعمال التهجير والاضطهاد وسكوته المخجل عنها قال دون حرج: ”سأساعد الصهاينة ولكنني لن أفعل شيئا من أجل الأرمن أبداً ..“.
ولعل من أهم متممات هذا الكتاب إثبات نص الوثيقة التاريخية الرسمية الهامة (مع صورتها الأصلية) التي يتجلى فيها نُبل العرب وصداقتهم الراسخة للأرمن، إنه الفرمان الذي أصدره سنة ۱۹۱۷ زعيم الثورة العربية الكبرى وشريف مكة الحسين بن علي. فقد بعث بخطابٍ إلى الأمراء في الولايات العربية وشيوخ القبائل يوصيهم جميعا برعاية أبناء الطائفة الأرمنيّة وفق ما أمرهم به دينهم الإسلامي ورسولهم الكريم، وأن يحافظوا على الأرمن كما يحافظون على أنفسهم وأموالهم وأبنائهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*