خرافة اتهام مواطنين روس بتهريب الذهب من مصر

الفريق سعد الدين الشاذلى

الفريق سعد الدين الشاذلى

كتب خالد بيومي :

 

تحدث الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر في مذكراته الصادرة عن دار رؤية للنشر بالقاهرة عن خرافة اتهام مواطنين روس مقيمون في مصر بسرقة كميات ضخمة من الذهب وتهريبها عبر مطار القاهرة . وأشار الشاذلي أنه خلال النصف الأول من عام 1972 كان يبدو أن الفريق صادق وزير الحربية هو العدو رقم واحد للسوفيت في مصر حيث  كان يروج إشاعات تهاجم الشيوعية لكي يخلق عداوة بين أفراد القوات المسلحة وبين الاتحاد السوفيتي ، ولكي يظهر وكأنه هو الذي يحمي مصر من تيار الشيوعية ، إن الفريق صادق يكره الشيوعية ، وهذا أمر يخصه – والكلام للفريق الشاذلي – وليس لأحد أن يحاسبه على ذلك ، ولكن عداوته للشيوعية قد أعمت بصيرته ، فأصبح لا يفرق بين الشيوعية كمذهب أيديولوجي والاتحاد السوفيتي كدولة عظمى تمدنا بالسلاح الذي يمكننا من تحرير أرضنا المحتلة . كان كل من يدعو إلى تصفية الجو وتحسين العلاقات مع الاتحاد السوفيتي من أجل مصر هو عدو شخصي للفريق صادق ، بل قد يذهب إلى أبعد من ذلك فيتهمه بالانتماء للشيوعية والعمالة للاتحاد السوفيتي .

وفي أوائل شهر مايو 1972 أخطرنا الجانب السوفيتي بأن بحريتهم في البحر الأبيض المتوسط سوف تقوم بمشروع تدريبي وأنها تطلب السماح لها أن تنزل بعض أفرادها في منطقة مرسى مطروح يوم 8 مايو على أن يتم سحبهم في اليوم التالي ، وذلك كجزء من المشروع التدريبي ، ولكن الفريق صادق رفض هذا الطلب .

أما الحادث الآخر الذي أسهم في تدهور العلاقات المصرية السوفيتية فهو اتهام بعض الأفراد الروس بتهريب الذهب . ويحكي الشاذلي تفاصيل هذه المهزلة فيقول : كانت الساعة الخامسة مساء يوم 8 مايو 1972 عندما جاءني كبير المستشارين السوفيت في قيادة المنطقة المركزية ، حيث كنت أدير مشروعا لتدريب قيادة المنطقة . قال الجنرال  ”أوكينيف “  بلهجة ملؤها الحزن والأسى ، إن بعض الجنود السوفيت الذين تقترب عودتهم إلى الاتحاد السوفيتي بعد انتهاء مدة خدمتهم في مصر قد جرى تفتيش اثنين منهم في مطار القاهرة بطريقة استفزازية ، مما أثار سخط الآخرين فرفضوا التفتيش وهم الآن في صالة الجمرك . قد يكون بعضهم قد اشترى ” دبلة ” أو خاتما أو سواراً لكي يهديه لخطيبته أو صديقته ، وإن مثل هذه الأشياء التافهة ذات الصفة الشخصية البحتة لا يمكن اعتبارها تهريبا كما يريد المسئولون في المطار أن يصوروها ، اتصلت هاتفيا بمدير المخابرات العامة فأشار إلى أن المعلومات التي لديهم تفيد بأنهم يحملون كميات كبيرة من المهربات ، وأنهم كانوا يراقبونهم منذ عدة أسابيع وهم يشترون الذهب بكميات كبيرة وأمام هذا التضارب في الأقوال قررت الذهاب إلى مكتبي حيث يمكن الاتصال بالجهات المختصة كلها وبحث الموضوع بطريقة أفضل .

لم أكد أصل إلى مكتبي حتى وصل وزير الحربية وفي أعقابه اللواء حسن الجريدلي الأمين العام للوزارة ، كان من الواضح أن وصول الوزير إلى المكتب في هذا التوقيت لم يكن مجرد مصادفة وإنما كان لكي يتأكد من أن موضوع التهريب يسير في الطريق الذي رسمه .

ولهذا السبب ، فقد تنحيت جانبا عن الموضوع وجلست أتفرج على ما يدور بين الوزير والجنرال أوكينيف . كان صادق يقول للجنرال أوكينيف ” أنا ليست لدي أي سلطة على رجال الجمارك . إنهم تابعون لوزير الاقتصاد . إنهم يفتشون الوزراء “ ، ولكنه همس لي أنا واللواء حسن الجريدلي ” إن المعلومات التي لدينا تؤكد أن معهم 80 كيلو جراما من الذهب “ .

اقترح صادق على أوكينيف ما يلي : ” يقوم كل فرد بملء تصريح للجمرك يسجل فيه ما يحمله من ذهب أو خلافه ويقوم بتسليمه إلى الجمرك . يوقع أوكينيف على إقرار يفيد بأنه مسئول عن إحضار كل من يطلب من هؤلاء الأفراد من قبل المحكمة . سوف يتدخل صادق بعد ذلك وبعد أن تهدأ نفوس رجال الجمارك لحفظ هذا الموضوع بحيث لن يطلب أحد للمحكمة “ وقد رفض أوكينيف هذا الاقتراح قائلا:” ليس لدى الأفراد أي شيء لكي يصرح لهم به . لابد أن أي فرد سوف ينتابه غضب شديد إذا نحن طلبنا منه أن يسلم ”دبلة“ أو خاتما اشتراه للذكرى بعد أن خدم في مصر عاما كاملا أو أكثر “ .

أخذ هذا الكلام يدور بين صادق وأوكينيف في حلقة مفرغة إلى أن دق جرس الهاتف في مكتب الوزير يناديه باسم ”محمد“ . ويرجح الشاذلي أنه كان محمد حافظ إسماعيل مستشار الرئيس للأمن القومي . بعد هذه المكالمة أظهر الوزير بعض المرونة ولكنه لم يتخذ أية إجراءات إيجابية لحل الموضوع . وبعد أقل من نصف ساعة رن جرس الهاتف مرة أخرى وكان المتحدث هذه المرة هو ” محمد “أيضا بعد تلك المكالمة الثانية تغير موقف صادق تغيرا جذريا وطلب إليّ أن أذهب إلى المطار لكي أحل الموضوع ولكني اعتذرت .. لماذا يسألني الآن ؟ إنه هو صاحب هذا الموضوع ، إنه هو الذي خلقه ، وهو الذي عقده وهو الذي يحاول الآن أن يجد له حلا .. فليحله هو وحده . ذهب اللواء حسن الجريدلي إلى المطار مندوبا عن الوزير لحل الموضوع .

ويختتم الشاذلي كلامه بقوله : ” وفي صباح اليوم التالي سألت عن موضوع التهريب وكيف تم حله فاتضح أن 71 فردا سوفيتيا سافروا بعد أن سمح لهم أن يأخذوا معهم الهدايا التي اشتروها ، وأنه قد تم حصر جميع هذه الهدايا فكان بيانها كما يلي : 26 سلسلة ، 45 خاتما ، 75 دبلة ، 41 قرطا ، 7 غوايش ، 3 بروش “ .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*