الرئيسان السيسى و بوتين

بوتين فى القاهرة .. بين الدوافع والدلالات ..اللقاء الثامن مع السيسى تأكيد جديد للشراكة الإستراتيجية

موسكو-د.سامي عمارة

الرئيسان السيسى و بوتين فى لقاء سابق

فى توقيت بالغ الدلالة وفى ظروف دولية وإقليمية شديدة التوتر، يكتنف الغموض الكثير من جوانبها، يصل إلى القاهرة غدا – الإثنين – الرئيس فلاديمير بوتين فى زيارة عمل قصيرة تلبية لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي. لقاء القاهرة هذه المرة هو الثامن فى سلسلة لقاء الزعيمين المصرى والروسى منذ اللقاء الاول فى موسكو فى فبراير 2014، والذى حرص الكرملين على إعلانه فى توقيت مواكب لإعلان الرئيس بوتين قراره بخوض الانتخابات الرئاسية لفترة ولاية رابعة . وتأتى هذه الزيارة التى يمكن ان تكون علامة فارقة فى تاريخ علاقات المنطقة مع روسيا، لتكون تأكيدا جديدا لحرص البلدين مصر وروسيا على تطوير ما سبق وتوصل اليه الزعيمان السيسى وبوتين من اتفاقات ورؤى مشتركة ترتقى بالعلاقات المصرية الروسية الى مستوى الشراكة الاستراتيجية، استنادا الى مواقع ومكانة البلدين على خريطة السياسة الدولية والاقليمية. واذا أضفنا الى ذلك حرص الرئيس الروسى على القيام بهذه الزيارة فى مثل هذا التوقيت البالغ الحرج فى تاريخ الامة العربية والاسلامية، فإننا نكون أمام شريك استراتيجى حقيقى يفى بالتزاماته التى سبق وأوجزها بوتين فى حديث سابق الى «الاهرام» يوم قال ان بلاده كانت ولا تزال تعتبر مصر «شريكا تقليديا وآمنا لروسيا فى الشرق الاوسط». وكان الرئيس بوتين استبق اعلان الكرملين حول زيارته القاهرة ، بمكالمة هاتفية مع الرئيس السيسى قالت مصادر الكرملين انه تناول خلالها الاوضاع الدولية والاقليمية، مشيرا الى ضرورة تعزيز التعاون فى مجال مكافحة الارهاب، فيما أعرب عن تعازيه فى ضحايا الحادث الهمجى البشع فى مسجد الروضة بشمال سيناء. واضافت ان الرئيسين تطرقا كذلك الى بحث عدد من جوانب العلاقات الثنائية ومنها التعاون فى مجال الطاقة النووية. وأشارت إلى أن الرئيسين أعربا عن ارتياحهما تجاه ما تحقق من نجاح فى مجال تصفية بؤر الارهاب فى سوريا ، وتأثير ذلك على تقدم الحوار بين الاطراف السورية المعنية.
وفيما يتعلق بتوقيت زيارة الرئيس بوتين القاهرة ودلالاتها، وكونها تجىء فى أعقاب اعلان الرئيس الامريكى دونالد ترامب عن قراره اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس، يتوقف المراقبون فى العاصمة الروسية عند حرص موسكو على تأكيد أنها لا تريد، ولا تسعى لأن تكون بديلا لأطراف ثالثة، وهو ما حرص الرئيس بوتين على الإشارة إليه ضمنا، فيما أجراه من مكالمات هاتفية مع الرئيس السيسى وعدد من زعماء البلدان العربية وغيرها من بلدان المنطقة بما فيها تركيا.
وكشفت مصادر روسية عن أن الرئيس بوتين تلقى دعوة من نظيره التركى رجب طيب أردوغان للمشاركة فى قمة دعا اليها زعماء بلدان منظمة التعاون الإسلامى التى انضمت اليها روسيا كعضو مراقب، الا أنه اعتذر عن قبولها دون أن تكشف هذه المصادر عن الاسباب. ورغما عن كل الظروف التى تقتضى ضرورة انصراف بوتين الى قضايا بلاده الداخلية، وفى مقدمتها ما يتعلق بالاعداد لحملته الانتخابية بعد أن أعلن قراره بخوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة فى مارس من العام المقبل لفترة ولاية رابعة تمتد حتى عام 2024 ، فقد فاجأ الكرملين مختلف الاوساط السياسية المحلية والعالمية بإعلان موعد زيارة الرئيس الروسى للقاهرة، فى إشارة عميقة المغزى متعددة الدلالات. فإلى جانب كونها دليلا على انحياز روسيا للحقوق العربية ورفضها الغطرسة الامريكية والتوجهات التوسعية للشريك الاسرائيلي، تأتى هذه الزيارة لتكون تأكيدا جديدا لعدم صحة ما سبق ورددته بعض الاوساط الاعلامية حول «توتر» يشوب العلاقات المصرية الروسية، وينال من الجهود الرامية الى الارتقاء بها الى المستوى المناسب لما سبق وأعلنته القاهرة وموسكو حول شراكتهما الاستراتيجية. ويذكر المراقبون بهذا الشأن ان موسكو اليوم وأكثر من ذى قبل فى أى وقت مضى، صارت أقرب الى قضايا المنطقة تفهما ودعما لمقتضيات أمنها واستقرارها ، بوصفها شريكا جغرافيا وتاريخيا لمصر والبلدان العربية ، وهو ما سبق وكشف عنه الرئيس بوتين فى حديثه السابق الى «الاهرام»، فيما عاد وأكده فى خطوات عملية بالغة الحسم فى سوريا التى أنقذها من براثن الارهاب الذى طالما نشأ وترعرع فى كنف من يسمون أنفسهم بالاصدقاء.
وكان بوتين قال باعتزاز بلاده بالتاريخ المعاصر للعلاقات الدبلوماسية بين روسيا ومصر، والتى تعود ببدايتها إلى عام 1943 وما شهده من أحداث جسام، فى إشارة الى انها جاءت فى أوج سنوات الحرب العالمية الثانية. وما قاله بوتين حول مصر ينسحب الى حد كبير على مواقف بلاده تجاه مختلف بلدان المنطقة التى يحرص على إذابة ما تراكم من جليد على طريق علاقاتها معها على مدى عقود طويلة، ومنها العربية السعودية التى قام عاهلها الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارتها أول مرة فى تاريخ علاقات البلدين. وإذا أضفنا الى هذه الزيارة ما جرى خلال الفترة القصيرة الماضية من زيارات واتصالات ولقاءات مع زعماء وملوك البلدان العربية ومنها الاردن والمغرب والامارات العربية وقطر والسودان ولبنان، وكذلك سوريا، فاننا نكون أمام صورة مغايرة لما كانت عليه الحال بالامس القريب، الذى طالما شهد محاولات «الاصدقاء الجدد» ممن يرومون تعكير صفو العلاقات مع روسيا ، وإعلان أنفسهم أوصياء على شئون هذه البلدان متناسين دورهم «التخريبي» ووقوفهم وراء صناعة ماكينات وفصائل الموت على غرار «طالبان» و«القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها من التنظيمات الارهابية التى عملت ولا تزال تعمل على تقويض أمن واستقرار المنطقة.
ومن اللافت فى هذا الشأن تحديدا، التقاء مصالح روسيا مع مصالح بلدان المنطقة وحاجتها الى الاستقرار والامن والتنمية، وهو ما سبق وأوجزه الرئيس بوتين، حين أشار الى أسباب انفجار ظاهرة الارهاب الدولي، التى قال إنها تعود «الى التدخل الخارجى السافر غير محسوب العواقب فى شئون المنطقة والعمليات العسكرية الأحادية الجانب واعتماد «المعايير المزدوجة» وتقسيم الإرهابيين إلى «طيبين» و «أشرار». وأعرب بوتين عن أسفه تجاه «أن الخطوات التى تتخذها الدول المشاركة فى التحالف لمحاربة الإرهاب وإستراتيجيتها وتكتيكها لا تتناسب ومدى الخطر القائم وطبيعته، ولا يمكن احتواؤه بمجرد عمليات القصف الجوي». وأضاف قوله «ان هذه الخطوات تفتقد الى الشرعية ، وتجرى بغير سند أو تفويض مباشر من جانب مجلس الأمن الدولي، وفى بعض الأحيان دون موافقة الدول التى تتعرض أراضيها للضربات الجوية». وقال ان بلاده تعمل على تكثيف الجهود الرامية الى «مكافحة الإرهاب على أساس القانون الدولى واحترام السيادة ووحدة الأراضى لجميع الدول»، وكذلك اهتمام بلاده «بتعزيز التعاون فى هذا المجال مع مصر الصديقة سواءً كان فى إطار علاقاتها الثنائية أو على مستوى المنظمات الدولية، على ضوء تكرار تعرض البلدين للهجمات إرهابية»، على حد قوله.
وفيما يتعلق بحرص كل من مصر وروسيا على تعزيز علاقاتهما الثنائية، ننقل عن دميترى ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية ما كشف عنه فى معرض حديثه الى «الاهرام»، حول استعداد بلاده للمشاركة فى المشروعات الاقتصادية فى منطقة قناة السويس بما فى ذلك انشاء المنطقة الصناعية الروسية بما يتفق مع احتياجات السوق فى مصر وغيرها من بلدان الشرق الاوسط وافريقيا.
ونمضى مع الجهد المشترك والتنسيق المتبادل بين البلدين، لنضيف الى ذلك ما قاله سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسى حول التعاون العسكرى بين البلدين، لنكون أمام صورة مغايرة لما كانت عليه العلاقات المصرية الروسية فى الامس القريب، على ضوء ما جرى توقيعه من اتفاقيات حول التعاون العسكرى المشترك وامداد مصر باحدث منظومات الاسلحة لا سيما فى مجال الدفاع الجوى والتدريبات والمناورات المشتركة، من أجل «التوصل الى تنسيق المواقف والسياسات والحفاظ على الأمن الدولى والإقليمي، والمشاركة فى ضبط الأمور فى حوض المتوسط والتى تفاقمت مع انتشار الإرهاب واتساع رقعة الهجرة غير الشرعية»، فضلا عن تعزيز وتطوير التعاون العسكرى بين القوات البحرية المصرية والروسية لخدمة الأمن والاستقرار، وتبادل الخبرات بين أفراد القوات البحرية للبلدين فى مواجهة التهديدات البحرية المختلفة والتخطيط وتنسيق الجهود المشتركة فى التعامل مع التحديات العصرية فى مناطق بحرية ذات حركة ملاحة نشطة» على حد قول المصادر الروسية. وتجدر الاشارة فى هذا الصدد الى ما قاله ميدفيديف فى حديثه لـ»الاهرام» حول ان التعاون بين البلدين «غير موجه ضد بلدان ثالثة، نظرا لأنه وقبل كل شيء يدور حول تعزيز القدرات الدفاعية لمصر، بما فى ذلك قدرتها على مواجهة الإرهاب. وذلك يعنى ضمان الاستقرار والأمن فى المنطقة بأسرها». وأضاف شويجو قوله انه لأسباب واضحة لا يود أن يكشف عن المزيد من التفاصيل، لكن يكتفى بالقول إنه يجرى حالياً العمل على صياغة عدة عقود واعدة، بما فى ذلك توريد الطائرات والمروحيات والمدرعات والسفن الحربية. وان هناك اتجاها مهما آخر، وهو ربط الشركاء المصريين بنظام جلوناس للملاحة.
ومن مجالات التعاون بين البلدين، ما أشار اليه دينيس مانتوروف وزير الصناعة والتجارة فى روسيا حول تكثيف وجود الشركات الروسية فى مشاريع انتاج النفط فى شمال مصر، واقامة مشروعات مشتركة فى الهندسة الميكانيكية بتصنيع الاتوبيسات والسيارات . وكانت «الاهرام» سبق واشارت الى أن الجانبين تباحثا حول مشاركة الشركات الروسية فى التنقيب عن النفط والغاز فى مصر الى جانب صادرات روسيا من الغاز المسال والأخشاب والزيوت والتعاون فى بناء المحطات النووية وتوسيع شبكات مترو الانفاق. ومن المعروف ان مصر وروسيا قطعتا منذ بداية القرن الحالى شوطا كبيرا فى مجال التعاون فى مجال التنقيب واستخراج النفط والغاز. ونعيد الى الاذهان ما هو معروف حول «ان التعاون بين مصر وروسيا يتم من خلال ثلاث شركات «تمثل بالنسبة لمصرأهمية كبيرة، أولها شركة «غاز بروم» ، وهى المؤسسة الاضخم فى روسيا وتعتبر من أكبر، ان لم تكن اكبر شركات إنتاج الغاز فى العالم. أما الشركة الثانية فهى شركة «نوفوتيك» وهى ثانى أكبر شركة فى روسيا مختصة بإنتاج الغاز. وقد كسبت حق التنقيب عن النفط والغاز مع شركة اخرى للبترول فى شمال العريش فى البحر المتوسط. وتأتى الشركة الثالثة وهى شركة «لوكويل»، احدى اكبر شركات النفط الروسية والتى تعمل بمصر فى التنقيب واستخراج النفط بموجب اتفاقية شمال غرب عش الملاحة فى الصحراء الشرقية على خليج السويس، فيما يقدر حجم احتياطى انتاجها بحوالى 50 مليون برميل وتنتج 20مليون برميل يوميا. أما الشركة الرابعة التى تعمل فى مصر فهى شركة «إس دبليو ان» ، وتعمل فى مجال التنقيب عن الذهب والمعادن فى الصحراء الشرقية أيضا فى منطقة «أم الفواخير» غرب القصير، ومنطقة أخرى غرب رأس غارب، وقد بدأت فعلا فى عمليات الكشف الأولي.
ولا يفوتنا بصدد تعاون البلدين فى مختلف المجالات، الاشارة الى التنسيق المشترك الذى يتواصل على مستوى السياسة الخارجية، ويتمثل بعضه فيما شهدته كل من موسكو والقاهرة من زيارات متبادلة بين وزيرى الخارجية المصرى سامح شكرى والروسى سيرجى لافروف، وهو ما أسفر عن الكثير من النتائج الايجابية فى مجال معالجة الكثير من قضايا المنطقة، لا سيما على صعيد محاولات التوصل الى تسوية سياسية للازمة السورية بعد نجاح موسكو فى اقناع اللاعبين الخارجيين بالتوقف عن تسليح عدد من فصائل المعارضة السورية وفك الارتباط مع التنظيمات الارهابية العاملة فى المنطقة، الى جانب العمل المشترك لدى مواجهة العديد من القضايا الدولية والاقليمية.

تعليق واحد

  1. ماذا عن عودة السياحه الروسيه لمصر ولماذا لا يتكلم احد عن هذا الموضوع الهام لمصر واذا كانت روسيا تستفيد من مصر بهذا الشكل ما هو وجه استفادة مصر من روسيا هم لا يعطوننا شيئا مجانيا وانما ندفع اموال طائله لمحطة الضبعه وشراء الاسلحه الروسيه لماذا لا نركز علي مصالحنا كما يركز الروس علي مصالحهم

أضف رد على Mohamed sayed إلغاء الرد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*