ثقافة الـ “داتشا”الروسية

 

بقلم: أحمد فايز

” الداتشا ” !!!

 

04

 الداتشا عبارة منازل إستجمام ريفية خارج المدن الكبرى و تعتبر محطة للاسترخاء والابتعاد عن ضجيج المدينة، ظهرت هذة الكلمة في روسيا في بداية القرن الثامن عشر، وهي مشتقة من كلمة روسية تعني “هبة ” وبالتحديد هبة جزء من الأرض، لبعض أفراد الشعب وقد قام القيصر بإعطائها لأتباعه مقابل خدمتهم المخلصة للدولة الروسية، وكان القيصر بيتر الأول هو أول من سنَّ هذا التقليد، حين بدأ بمنح المقربين منه أراضٍ، ليست بالكبيرة، في ضواحي سان بطرسبورج.

كلمة “داتشا” في اللغة الروسية مشتقة من المصدر “دات” (أعطى) وتعني عطية أو هِبة. وأولى هذة  الهبات (داتشا) كانت بمثابة مكافآت لقاء الخدمة والتي بدأ القياصرة الروس بمنحها لرماة الأسلحة النارية من حرسهم المقربين، ومنذ مطلع القرن السابع عشركان أفراد البلاط في العادة يسافرون إلى عِزَبِهم العائلية  والتي غالباً ما كانت تقع في مناطق نائية من روسيا لقضاء فصل الصيف هناك، وكان الطريق إليها يستهلك شهراً بكامله أو أكثر أحياناً، وبتوزيعه لقطع الأرض بالقرب من العاصمة سعى القيصر بيتر لإبقاء رجال بلاطه “في متناول اليد” حتى في فصل الصيف، بالإضافة إلى أنه أراد أن يُعَلِّم الروس قضاء العطلة الصيفية على النمط الأوروبي دون الانقطاع عن العمل لفترات طويلة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أشهر، وأخذ الأغنياء يتنافسون في أبّهة بيوتهم الريفية التي غدت أشبه بالقصور.

في منتصف القرن التاسع عشر مع ظهور السكك الحديدية في روسيا بدأت الطفرة الحقيقية للـداتشا حيث أخذ المزيد من الناس يتوجهون إلى المدن الكبيرة لكسب المال والعيش فيها، وبرزت مشكلة السكن بحدة أمام كثيرين منهم، فباتوا ينظرون إلى الـ”داتشا” كفرصة للتمتع برحابة العيش ولو لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر بعيداً عن زحمة المدينة وغرفها الضيقة.

في السنوات الأولى للسلطة السوفياتية وفي ظروف الحرب الأهلية والدمار، لم يكن الوقت ملائماً للتفكير في حياة الداتشا الهادئة. ولكن بدءاً من النصف الثاني من العشرينيات أخذت تظهر تعاونيات الداتشات حيث قامت المؤسسات الكبيرة ونقابات العمال بتوزيع الأراضي على العمال الأعلى أجراً.

وكانت هذة الداتشات مكاناً لاستراحة المدرسين والمهندسين والكتاب والمسؤولين بالإضافة لذلك، كانت هناك داتشات حكومية خاصة. ولم تكن هذة المنازل الريفية تمنح للأشخاص وإنما للمنصب الوظيفي. ولذلك كان سكانها يتبدلون باستمرار.

قبل الأربعينيات، كانت الداتشا علامة على الانتماء إلى النخبة السوفييتية الجديدة. ولكن الوضع تغير بعد الحربالوطنية العظمى ٤١-١٩٤٥. وبالنسبة لكثير من الناس، لم تعد قطعة الأرض الواقعة خارج نطاق المدينة مكاناً للراحة، بل وسيلة للبقاء على قيد الحياة. فهنا كان بوسعهم زرع الخضروات والفواكه للاكتفاء الذاتي. أما المواطنون العاديون فلم يكن بمقدورهم اقتناء داتشات خاصة بهم إلا في عهد نيكيتا خروشوف ١٩٥٣-١٩٦٤.

03

وبدأت تظهر ما يسمى روابط البستانيين. حيث كانت الدولة تمنح مساحات كبيرة من الأراضي للمؤسسات والمنظمات التي كانت بدورها توزع هذة الأراضي بين عامليها. ونظراً للعدد المحدود لقطع الأرض، كان يتم تسجيل من 10 إلى 15 شخص في داتشا واحدة، حيث يمضون فترات الاستراحة بالتناوب فيما بينهم. وأصبحت الداتشا ذلك المكان الذي يقصدة الناس في الربيع لزراعة البطاطا والجزر وفي الخريف لجني المحصول، الذي وإن كان نزيراً إلَّا أنه كان ملكاً شخصياً لهم.
ولكن الدولةفى ظل النظام الاشتراكي، قامت بفرض قيود على المخصصات الممنوحة من الأراضي وحددتها بمقدار 0.15 فدانا (أي ما يعادل 600 متر مربع) والتي أطلق عليها الناس تسمية “المئات الستة “بنى اصحابها فوقها منازل صغيرة، فيما استخدموا الأرض الباقية لزراعة ما يحتاجونه. إضافة، إلى الحياة الخاصة فيها،معظم مالكي الداتشات، يستخدمون الأرض المحيطة بالداتشا لزراعة الخضار وأشجار الفاكهة لمائدة العائلة، أو لزراعة الورود أو للاسترخاء فقط.

02

واليوم بعد تفكك الاتحاد السوفيتى تحولت الداتشات إلى ملكية خاصة وتم تطويرها وتحولت إلى فيلات وقصور فى أحضان الطبيعة.

لم تتغير تقاليد الداتشا الروسية إلى يومنا هذا فالأسرة تسافر مجتمعة لقضاء فصل الصيف بكامله في الداتشا. وهناك تجتمع العائلة.

فإن ثقافة الداتشا لم تتغير فهي نوع من التعويض عن حياة المدينة الصعبة….فهناك، في أحضان الطبيعة، يستمتع الناس بصيد السمك والسباحة، وجمع الفطر، وزراعة الباذنجان والبطاطا والفراولة والزهور.

01

كيفما كان حال الداتشا، صغيرة كانت أم كبيرة، فاخرة أم متواضعة، ملكية خاصة أم تعود لأحد الأصدقاء.. فإنها تحتل مكانة كبيرة في حياة الروس وعلاوة على ذلك فهى تشكّل بالنسبة للروس ثقافة كاملة لتمضية الوقت فشرب الشاي فى شرفة الداتشا ، وأكل الفراولة الطازجة والخيارالمقطوف من حديقة المنزل، والسير إلى الغابة لجمع الفطر كلها سمات لا تتبدل لنمط حياة الـ “داتشا” الروسي.

أحمد فايز – مرشد سياحى مصرى فى موسكو

ahmed-fayez@mail.ru

ينضم لكتاب إصدارات دار نشر أنباء روسيا الاستاذ أحمد فايز وهو مصري مقيم مع عائلته بعاصمة روسيا الاتحادية موسكو، ويعمل في مجال السياحة، وستنشر له دار نشر أنباء روسيا تباعًا كتاباته الممتعة للتعرف عن قرب على وجوه روسيا الجميلة.

فأهلًا ومرحبًا به معنا

أسرة التحرير

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*