الكاتبات الروسيات

لماذا تسيطر الروايات النسائية على الترجمة من الروسية إلي العربية

بقلم – دكتورة دينا محمد أستاذة الأدب الروسي في كلية الألسن بجامعة عين شمس

سيطرت مؤخرا خلال العام الماضي ترجمة الروايات النسائية من الروسية إلى العربية بشكل ملحوظ، فقد ظهرت في بداية العام ترجمة رواية صونيتشكا للكاتبة الروسية لودميلا أوليتسكيا والتي نقلها إلي العربية المترجم السوري عياد عيد والتي تحكي عن تضحية امرأة وتحملها خيانة الزوج من أجل الحفاظ علي البيت والأسرة من الإنهيار، بل وتستمر في الوفاء والإخلاص لذكري الزوج بعد موته بالرغم من تلك الوفاة غير المشرفة التي لحقت به.

كما ظهرت منذ بداية العام أيضاً ترجمة كتاب (ليس للحرب وجه أنثوي) للبيلاروسية سفيتلانا ألكسيفتش والتي نقلها من الروسية إلي العربية المترجم السوري د. نزار عيون السود والتي حاولت الكاتبة فيه كشف عالم النساء الروسيات المحاربات علي جبهة القتال في الحرب العالمية الثانية ونقل مشاعرهن وكلماتهن وذكرياتهن بعد أن لاذن بالصمت لفترات طويلة حيث كان صوت الرجل هو دائما ماكان يعلو داخل المعركة وكان يجد من الأدباء الرجال ما يعبر عن أحاسيسه في الحرب فأصبحنا جميعاً أسري لتصورات الرجال دون النساء.

ويقبل المترجمون على ترجمة جميع أعمال كاتبة نوبل، فيقدم في نفس العام المترجم العراقي عبد الله حبة إلي العربية كتابها الثاني (أخر الشهود) الذي اعتمدت فيه الكاتبة علي حكايات وذكريات الكثير من  سكان القري والمدن في بيلاروسيا الذين بلغت أعمارهم أثناء الحرب العالمية الثانية من ثلاث إلى اثني عشر سنة، واحتوي الكتاب على العديد من المشاهد والذكريات القاسية والأليمة التي يقصها الأطفال حينذاك والتي يصورون فيها كيف تعامل الألمان ببشاعة منقطعة النظير مع أبائهم واخواتهم وكيف كان يتم التنكيل بهم.

وينقل عبد الله حبة كتاب ألكسيفتش الثالث (فتيان الزنك) إلي العربية والتي حاولت الكاتبة فيه تصوير الحرب الأفغانية بأنها خطيئة سياسية كبري بدأت بإقتحام السوفيت للأراضي الأفغانية، محاولةً منهم لفرض النظام الإشتراكي في البلاد ورضوخا لذلك المجتمع الدولي الشمولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية والتي زجت بمصائر ألاف من الشباب الصغار الي هذه الحرب الهالكة حيث جرت هناك عملية إبادة للجنود الروس الذين عادوا  لزويهم في توابيت من الزنك.

فتيان الزنك

فتيان الزنك

أما المترجم المصري أحمد صلاح الدين فقد قدم إلي العربية ترجمة كتابها الرابع (صلاة تشيرنوبل) والذي كان عبارة عن مقتطفات ومشاهد من ذكريات المكلومين والمصابين من جراء تلك الكارثة البشرية التي تسببت في هلاك الكثيرين وهي انفجار مفاعل تشيرنوبل، والذي كان من وجهة نظر الكاتبة ليس مجرد كارثة عالمية بل هي مصفوفة حقيقية من نهاية العالم الوحشية، فهي من تسببت في تمزيق الإمبراطورية السوفيتية والمعسكر الإشتراكي بأكمله بل العالم أجمع.

صلاة تشيرنوبل

صلاة تشيرنوبل

وظهرت أيضا قبل نهاية العام ترجمة رواية (زمن النساء) للكاتبة يلينا تشيجوفا والتي نقلها إلي العربية المترجم المصري د. محمد الجبالي، حيث تسيطر المرأة بأفكارها ومعاناتها وأحلامها علي المضمون الروائي بأكلمه، فهي الحفيدة والأم والجدة، وهي الماضي والحاضر والمستقبل، فمهما تعرضت لأقسي الظروف سواء أكان خداع الرجل أوالضعف أو المرض وهو ما تعرضت له الأم في الرواية، فإنها تظهر في مواقف أخري صامدة حكيمة، قادرة علي العطاء وتربية الأجيال رغم تقدم السن وقسوة الزمن وفقدان الأبناء والأزواج وهذا ما جسدته الجدات، لتظهر بعد ذلك مستقبلاً شابة موهوبة وفنانة مبدعة تمتلئ بالحيوية والأمل وهو ما جسدته الحفيدة. فهكذا تصل الكاتبة إلي أن الإعتماد الكلي علي الرجل قد اختفي، وأصبحت المرأة قادرة علي التفاعل مع جميع المتغيرات بإستقلالية تامة ليتحول الزمن الذي ساده العالم الذكوري لفترات طويلة إلي زمن النساء.

رواية زمن النساء

رواية زمن النساء

ويرجع إقبال المترجمين على ترجمة الروايات النسوية إلى عدة عوامل لعل ابرزها هو ازدهار الأدب النسوي في روسيا بشكل كبير منذ نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي مع تطور وظهور تيارات الحداثة وما بعد الحداثة، والعامل الأخر هو ظهور جيل بارز ومتميز من الكاتبات النساء الاتي استطعن أن يفرضن أنفسهن بقوة علي الساحة الأدبية والتي ظلت لفترات طويلة حكرا علي الأقلام الذكورية، فكان القارئ لايشعر ولا يفكر ولا يتذوق الفن إلا من خلال القلم الذكوري الذي كان يعبر أيضاً عن أفكار وأحاسيس وقضايا المرأة ولم يترك لها المجال أن تعبر عن ما يخصها بنفسها كما هو الأن.

تلعب الجوائز العالمية والمحلية دوراً كبيراً في اجتذاب المترجمين إلى الأعمال النسوية في الفترة الأخيرة، فكل ما تم ترجمته مؤخرا كان لكاتبات حصلن على جوائز أدبية مرموقة، فقد استحوذت كاتبة نوبل سفيتلانا ألكسيفتش على النصيب الأكبر من الترجمات فور حصولها علي الجائزة، كما لاقت أيضا كل من الكاتبة لودميلا بتروشفسكايا ويلينا تشيجوفا نصيبا من ترجمة أعمالهما إلى العربية وقد حصلت كل منهما منذ عدة سنوات على جائزة البوكر الروسية أحد أبرز الجوائز الأبية المرموقة في روسيا الاتحادية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*