رواية القلعة

من هو ”بيوتر أليشكوفسكي“ وروايته ”القلعة“ الحائزة على بوكر أفضل رواية روسية عام 2016

بقلم – دكتورة دينا محمد أستاذة الأدب الروسي في كلية الألسن بجامعة عين شمس

“فاز الكاتب الروسي بيوتر أليشكوفسكي بجائزة البوكر الروسية لأحسن رواية أدبية لعام 2016، حيث بلغت قيمتها هذا العام مليون ونصف روبل أي ما يعادل حوالي 24 ألف دولار أمريكي عن روايته (القلعة).

ويعتبر أليشكوفسكي هو الكاتب الخامس والعشرون الذي حصل علي الجائزة منذ تأسيسها عام 1992عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق حتى يومنا هذا، وتٌمنح عن أفضل رواية روسية كٌتبت كل عام.

تم تأسيس هذه الجائزة بمبادرة من المجلس البريطاني في روسيا كمشروع مماثل لجائزة بوكر البريطانية، وتدريجياً تم تسليم الجائزة للأدباء والمتخصصين في الأدب في شكل لجنة للبوكروالتي أخذ يرأسها منذ عام 1999 الناقد الروسي إيجور شيتانف.

وتتشكل لجنة التحكيم من 5 أعضاء (4 من الأدباء والنقاد و علماء اللغة، أما العضو الخامس ينتمي إلي نوع أخر من الفنون مختلف عن الأدب)، حيث يتم في البداية يتم تحديد القائمة القصيرة للروايات المرشحة والتي تتراوح من 3 الي 6 روايات ثم يتم الإعلان عن الفائز، بلغت قيمة الجائزة منذ عام 1992م من 10 الي 15 ألف دولار أمريكي، ومنذ عام 2005 ارتفعت قيمة الجائزة من 15 إلي 20 ألف دولار للفائز و الـ5 الباقيين الذين وصلوا إلي النهائيات يأخذ كل منهم حوال 1000 دولار.

بيوتر أليشكوفسكي

بيوتر أليشكوفسكي

ويذكر أن الكاتب يوري بولياكاف عام 2008 عبر عن تقييمه السلبي لهذه الجائزة مشيراً إلي أن هذه الجائزة حسب رأيه الشخصي ليس لها علاقة بالأدب الحقيقي مع بعض الإستثناءات، فيري أن الجائزة لا تٌمنح بسبب جودة العمل الأدبي أو الإبداع الفني فيه، أو القدرة علي وصول العمل للقراء وكثرة عدد القراءات وإنما المعيار هو الولاء أو التحيز لفئة معينة خاصة التيار الليبرالي التجريبي، ويضيف أن معظم الأعمال التي حصلت علي الجائزة بدءاً من رواية (خطوط المصير، أو خزانة ميلاشفيتش) للكاتب مارك خريتونف لم تجد قاعدة عريضة من القراء، فبعد أن يتسلمون الجائزة يتم نسيانهم تماما، ولا يجدون من يقرأ لهم.

لا ترتبط جائزة بوكر بكم الأعمال الإبداعية التي يكتبها الكاتب وإنما هى جائزة الرواية الواحدة المتميزة، والجدير بالذكر أن الجائزة دائماً تقتصر علي فن الرواية دون الشعر أو المسرح، فهناك العديد من فائزي البوكر لازالوا يبدعون حتي الأن وهناك البعض الأخر الذي قد توقف عن الإبداع إما بسبب الموت أو الإكتفاء بما حققه.

فاز بالجائزة حتى الأن من النساء أربع كاتبات وتعتبر لودميلا أوليتسكايا هى أول وأشهر فائزة بالجائزة من النساء. كما فاز بها العديد من الأدباء الشباب في فترة مبكرة من أعمارهم وأبرزهم ميخائيل إيليزاروف و ألكسندر سنيجريوف. حصل معظم الأدباء علي الجائزة وهم على قيد الحياة ولكن هناك أديب واحد حصل عليها بعد موته بست سنوات وهو الأديب الراحل ألكسندر تشوداكاف.

وبالرغم من كل الأراء والإنتقادات فإن الجائزة الوطنية الروسية الكبري (بوكر) هى إنجاز كبير في الحياة الأدبية الروسية وتمثل دافعاً عظيماً للمنافسة والإبداع ليتم في النهاية اثراء الأدب الروسي بالمزيد والمزيد من الأعمال الأدبية المتميزة التي تعتبر استكمالاً لإبداع كلاسيكين الأدب الروسي العظماء الذين أثروا بريشتهم الأدب العالمي و الإبداع البشري.

و تستمر الجائزة في العمل ويتسلمها كل عام أحد الأدباء الروس البارزين. وكان أول هؤلاء الأدباء هو مارك خريتونف الذي حصل عليها عام 1992، وأخرهم حتى الأن الكاتب بيوتر أليشكوفسكي عام 2016.

ولد بيوتر ماركافتش أليشكوفسكي في 22 سبتمبر 1957، وهو ابن المؤرخ مارك أليشكوفسكي وناتاليا جيرمانوفا الخبيرة والمتخصصة في الفنون، أنهي بيوتر دراسته الجامعية عام 1979 في قسم الأثار في كلية التاريخ جامعة موسكو الحكومية تحت اسم ميخائيل لمانوسف.

بيوتر أليشكوفسكي

بيوتر أليشكوفسكي

شارك لمدة ست سنوات في ترميم أثار شمال روسيا، ونوفجوراد، وأديرة كيريلابيلازيرسكي وفيرابونتف وسالافتسكي.

عمل بيوتر أليشكوفسكي ككاتب ومؤرخ ومذيع راديو وتليفزيون وصحفي. حيث كان له من عام 2007 حتى عام 2008 عمود أسبوعي دائم في مجلة (روسكي ربارتيور)، ومنذ عام 2008 يكتب في نفس المجلة العديد من المقالات، ويقدم برنامج (أبجدية القراءة) في اذاعة (كولتورا).

كتب العديد من الروايات منها الرواية التاريخية (المهرج) عام 1995، و (أصوات من الجوقة) عام 1997، والمجموعة القصصية (الحقيبة السابعة) عام 1999، والرواية القصيرة (النورس) عام 2002، ورواية (السمكة) 2006 والتي دخلت ضمن القائمة القصيرة لجائزة بوكر وكذلك القائمة الطويلة لجائزة الكتاب الكبير عام 2006، ورواية (معهد الأحلام) عام 2009 و (من موسكو) عام 2010، و(الجانب الأخر من القمر) عام 2010 أيضاً ورواية (القلعة) عام 2015 والتي حصلت علي جائزة بوكر الروسية لهذا العام 2016.

يعتبر بطل الرواية إيفان مالتسوف هو عالم الأثار، المحب والأكثر تحيزاً لعمله. كان رجلاً شريفاً وصاحب مبدأ لدرجة المغالاة. كان لا يواكب العصر ولايلم بالتقنيات الحديثة وعلوم الإنترنت، بل كان يميل ويعشق كل ماهو قديم وأثري. وكان يعشق قريته القديمة ويعشق القلعة الصغيرة الموجودة فيها والتي تقع عند النهر، كان يعشق تفاصيل قريته من لحاء البتولا حتي ركلات ماه النهر العذبة، كان يعشق بيته الريفي القديم، وجارته العجوز العمة (ليينا) كان يقوم بعمليات حفر وتنقيب في إحدي المدن الروسية القديمة، وكان في نفس الوقت يكتب كتاباً عن تاريخ القبيلة الذهبية. كان يري في منامه أحلاماً عجيبة ومثيرة عن حياة المحارب المنغولي الشاب.

رواية القلعة

رواية القلعة

اندفع البطل مالتسوف بجسارة من أحلامه لإنقاذ القلعة القديمة التي كانت مهددة بالتدمير على أيدي الأثرياء الجدد من رجال الأعمال الجاشعين ومسئولي المدينة وتحويلها إلي حديقة لزراعة التوت لتصبح مزار سياحي. تخلت الزوجة (نينا) عن ايفان مالتسوف وتركته مع أحلامه ومبادئه وعلمه وكذلك فقره وذهبت إلي مدير المتحف التاريخي، ذلك الرجل الثري الماكر.

أخذت الأحداث تتصاعد لتصل إلي نهاية مثيرة وغير متوقعة، وتمتلئ الرواية بالأحداث المأساوية التي تعبر عن التصادم بين الإنسان والمجتمع الذي تخلي عن ضميره مما تسبب في تدمير الإرث والثقافة مما يعني تدمير الحياة. امتلاءت الرواية بمشاهد من الحياة الريفية الجميلة وتجسيد لصور رائعة من الطبيعة، والذي يفتقده كثيراً الأن الأدب الروسي المعاصر، وقد كفل البناء الفني للرواية، وسلاسة الأسلوب وعمق المضمون  لها الحصول علي بوكر أفضل رواية روسية لهذا العام.

تعتبر رواية (القلعة) عمل أدبي ضخم، تقع في حوالي 592 صفحة، ويؤكد كثير من النقاد والمحللون الأدبيون أن الرواية لم تٌكتب من أجل الشهرة والجوائز، ولكنها عمل أدبي متميز، من الحمق تغافلها وعدم حصولها على جائزة أدبية مرموقة مثل بوكر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*