ملحمة شوتا روستافيلي بطبعة عربية

بعدما صدرت بطبعتها الأولى في دمشق قبل اثنين وعشرين عاماً، خرجت طبعة عربية جديدة من ملحمة «الفارس في إهاب النمر» للكاتب الجورجي شوتا روستافيلي عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بترجمة أنجزها نزار خليلي.

عاش روستافيلي بين النصف الثاني للقرن الثاني عشر والنصف الأول للقرن الثالث عشر الميلاديين، وكان شخصية رفيعة في بلاط الملكة تامار التي أحبَّها من دون أمل. ثم قضى سنواته الأخيرة في دير الصليب المقدس الجورجي في القدس، ومات ودُفِنَ فيه. عاصَر روستافيلي العصر الذهبي لجورجيا الذي تميَّز بثورة فكرية سبقت حركة النهضة في الغرب. ففي عهد الملكة تامار، وصلت جورجيا إلى قوة ومنعة حملت جيرانها على احترامها، فازدهرت الفلسفة التي لمعت في مجالها أسماء أمثال يوحنا بيريتسي، وآرسين إيخالتو إيلي. لم يحذُ روستافيلي حذو كتاب الملاحم في القرون القديمة والوسطى الذين درجوا على إلباس أبطالهم ثوب الخرافة والغرابة وتقديمهم كعمالقة وغيلان وحيوانات خرافية مثل التنين والعنقاء وغيرهما، معتمدين في ذلك على القوة البدنية الخارقة، إنما جعل أبطاله من الناس العاديين، ولم يعطهم سوى مهارة تمكنهم من التغلب على من يعاديهم.

يفنّد روستافيلي منذ البداية أسباب نظم الملحمة، وبعد ذلك يلهج بمدح الملكة تامار وزوجها الملك دافيد، إلى أن يصل إلى الشعر، فيعرفه ويقسمه إلى مراتب، ويشرح صفات كل مرتبة فيه، ويأتي بعد ذلك إلى الحب، فيعرفه أيضاً ويبين أهدافه وشروطه، ويوضح أفكاره بالحِكَم التي يسوقها واحدة تلو الأخرى. يزعم روستافيلي في المدخل أنه اقتبس موضوع الملحمة من قصة فارسية قديمة تدور أحداثها في ديار العرب والهند، وتعتمد أساساً على الحب والفروسية، ويركز على الشهامة العربية وخُلُق الإيثار عند العربي، وما يتبع ذلك من تضحيات بالنفس والمال والحب والأهل.

ولكن عند تأمل الأحداث، خصوصاً في ما يتعلّق بتنازل الملك العربي روستفان عن عرشه لابنته الوحيدة تيانين، يقودنا الفكر إلى الملكة تامار وحيدة أبيها التي تنازل لها عن عرشه. فندرك من هذا التقارب بين الشخصيتين، أن روستافيلي كان يقصد الملكة تامار في قصته، وقد توارى خلف الأسطورة الفارسية القديمة تأدباً.

ويرى المترجم نزار خليلي في مقدمة وضعها للكتاب أن الأحداث الواردة في تلك الملحمة هي من وضع مؤلفها واختلاقه، إذ لم يعثر الباحثون على أثر للقصة المزعومة في التراث العربي أو الفارسي، وهذا لا يمنع من القول أن روستافيلي كان متأثراً بالشعر الغنائي العربي والفارسي الذي يحكي قصص مجانين الحب، مع الفارق في الشخصيات والتفاصيل بين قصته والقصص الأخرى. هو لا يرضى لبطلتيه – نستان وتيناتين – أن تكونا من صنف الحريم، بل صوّرهما ملكتين بأيديهما الأمر والنهي، والحرية والجرأة. وهو جاء بهذه الصورة في عصر كان الإقطاع يستعبد المرأة، ويؤكد ذلك قوله في الرباعية الثامنة من قصة روستفان، ملك العرب. وهذا ما نقرأه جلياً في البيت الرابع منها: «شبلُ الأسد أسدٌ، ذكراً كان أو أنثى».

تكشف هذه الملحمة عن أسلوب التعبير الأدبي في حياة أدباء القرون الوسطى، فمؤلفها اتبع في نظمها أسلوب الرباعيات، فجاءت من النفس الطويل، أو البحر الطويل في عروض الشعر العربي. وبالطبع لا توجد تفعيلات في العروض الجورجي مثلما في العروض العربي وإنما توجد مقاطع صوتية تحدد نوع العروض. فالنفس الطويل يتألف من ستة عشر مقطعاً صوتياً للبيت الواحد موزعة بالتساوي على شطرين، أي ثمانية مقاطع لكل شطر.

تأتي ترجمة هذه الملحمة من القرون الوسطى لتعيد إلى القارئ العربي مفاهيم مثل الحبّ والفروسية والشهامة، وقد غابت عن مجتمعاته الغارقة في ظلاميتها وجهلها وحروبها الطاحنة.

كتب – خالد بيومى .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*