المكتبة الحكومية الروسية

المكتبة الحكومية الروسية.. قبلة المثقفين ودرة الباحثين

قبل نحو 80 عاماً بدأت روسيا الاتحادية، وهي لم تزل بعد، في حضن الاتحاد السوفييتي السابق، تمد جسور التواصل العلمي والثقافي مع جميع دول العالم عبر مراكز ثقافية ومكتبات، اعتبرها الكثيرون ملاذاً ومأوى، احتضن ويحتضن اليوم كل عشاق الثقافة الروسية..

ومحبي أعلامها الكبار، من أدباء وموسيقيين ورسامين وسينمائيين. تعد المكتبة الوطنية الروسية (مكتبة لينين سابقاً)، ثاني مكتبة في العالم بعد مكتبة الكونغرس الأميركي من حيث حجم مخزوناتها. وتحتوي المكتبة على مجموعة فريدة من نوعها من المطبوعات والمخطوطات الوطنية والأجنبية، التي ألفت بـ 347 لغة من لغات شعوب العالم.

ويزيد مخزون المكتبة على 42 مليون نسخة من الكتب والمخطوطات والدراسات العلمية والنشرات الدورية. كما أنه، وإلى جانب مخزون الكتب الرئيسي تحتوي المكتبة الوطنية الروسية، مجموعات خاصة مؤلفة من ما يزيد على 150 ألف خريطة و350 ألف نوتة موسيقية وتسجيل صوتي، وكتب نادرة ومراجع مصورة وأطروحات علمية وجرائد، وما إلى ذلك. وتتجسد المكتبة في العموم، قبلة المثقفين ودرة الباحثين.

دور اجتماعي حيوي

تأسست المكتبة الحكومية الروسية في الأول من يوليو عام 1862 كونها أول مكتبة عامة مجانية في موسكو. وضم مخزونها الأولي مجموعة غنية من الكتب والمخطوطات. وكانت تحتوي على ما يقارب 100 ألف نسخة جمعها الأمير نيكولاي روميانتسيف الذي أطلق على المكتبة اسمه بداية، وسلم ورثته هذه المجموعة فيما بعد إلى الدولة الروسية.

وتمثل المكتبة دعامة أساسية للتقدم العلمي والحضاري، ومرآة تعكس تاريخ الشعب الروسي ونمط معيشته وحضارته، وتؤدي دوراً حيوياً في تطوير قدرات المجتمع الروسي. ونشر القيم التقدمية والوعي الثقافي، وتعليم وتربية الأجيال والعلماء، للدولة الروسية. وذلك لتأخذ دورها في بناء المجتمع وتحقيق تقدمه وازدهاره، باعتبارها مؤسسة ثقافية وعلمية وتربوية جامعة لكل دول الاتحاد السوفييتي السابق والعالم.

لازمة يومية وحياتية عامة

أصبحت المكتبة الحكومية الروسية لازمة من لوازم المواطن الروسي. إذ ترافقه في كل مراحل حياته حيث وحين يحتاجها. فأصبحت تعلمه فن الحياة، وتوسيع خبرته العملية، وتنمي مهاراته وتصقل مواهبه، ويستفيد منها كافة مواطني دول المجتمع السوفييتي (سابقاً)، بشكل عام والروسي بشكل خاص.

فمن أهداف هذه المكتبة إتاحة جميع مصادر المعلومات المتوافرة ضمنها مجاناً، وتوفير إمكانيات البحث الحر والثقافة الذاتية، وتشجيع وتدعيم عادة القراءة المعروفة لدى الشعب الروسي، وذلك بإرضاء جميع الأذواق، لتهيئة جيل مثقف وواعٍ قادر على تحمل مسؤوليته.

وفي العموم، تمثل المكتبة صرحاً تاريخياً للتعليم ومركزاً للثقافة والبحوث والدراسات، إذ إنها، كما يقول مديرها فيكتور فاسيلفتش فيدروف: من أكبر مكتبات في العالم. والمرجع الأول في العالم للكثير من المراجع. ذلك رغم كون تأسيسها حديث العهد مقارنة ببعض المكتبات عالمياً (تأسست في عام 1862).

صُمم مبنى المكتبة وفق طراز وطابع معماري مميز مزين بالزخارف والنقوش الرخامية، ومبناها من أجمل أبنية روسيا، إذ يقف شاهداً على عصر يؤرخ للرواد والناظرين، ويوثق لتفاصيل أدباء وعظماء تركوا بصماتهم الجلية على مجمل صفحات التاريخ الإنساني، بدءاً من العهد القيصري، ومروراً بالإمبراطورية السوفييتية ووصولاً إلى روسيا الحالية. ولعل من أهم ميزات هذا الصرح الثقافي الكبير..

وقوعه في وسط العاصمة الروسية موسكو وعلى مقربة من شارع أرباط الشهير (والذي سمي بذلك احتفاءً بشخص عربي مر في ذلك الشارع). والمبنى قريب من الساحة الحمراء، وذات منطقة حيوية مهمة، فهو محاط بثلاث محطات مترو. وهذا الموقع أعطى للمكتبة إمكانية النجاح في أداء دورها بنسبة كبيرة، نظراً لسهولة الوصول إليها..

ووضوح المكان وبروزه. فهي قلب موسكو. كما يتوافر للمكتبة مواقف في فنائها وحول أسوارها من جميع الجهات. كما تتوافر داخل المكتبة نفسها، أماكن للاستراحة والانتظار.

وتعد المكتبة الثانية في العالم بعد مكتبة الكونغرس الأميركية. فهي تتألف من ستة طوابق، اثنان منها تحت الأرض، وتحتضن بين جدرانها الكثير من المؤلفات والموسوعات والكتب والمخطوطات والخرائط والمعاجم والأطالس، وأيضاً الشرائط الصوتية والنوتات الموسيقية التي تعود لأكثر من مائة وخمسين شعباً وقومية من شعوب وقوميات روسيا الاتحادية والاتحاد السوفييتي السابق.. والعالم.

وهذا طبعاً، إلى جانب الآلاف المؤلفة من كتب الفلسفة والمعارف العامة والآداب والتاريخ والديانات والعلوم الاجتماعية والدقيقة والتقنية واللغات والفنون، وكذا المخطوطات النادرة والتي تقدر بـ حوالي 250 لغة، لتشكل محتوياتها في النهاية حوالي أكثر من 42 مليون أثر محفوظ.

تتألف المكتبة من أقسام عدة منها: قسم المخطوطات، وفيه أكثر من 550 ألف مخطوطة، منها ما يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، بالإضافة إلى عدد من المخطوطات العربية واليابانية المكتوبة على أوراق الرز.

وتتضمن المكتبة قسماً متخصصاً بالمخطوطات الهندية المزخرفة ومجموعات من المخطوطات الفارسية والكردية. وأيضاً: قسم المطبوعات الثمينة والنادرة، قسم المطبوعات والرسومات، قسم الأطالس والخرائط قسم الكتب والمطبوعات، قسم المجلات، قسم الجرائد، قسم السلاسل المتنوعة، قسم النوتات الموسيقية والتسجيلات الصوتية (منها ما يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر الميلادي)…

قسم الوثائق والمستندات، قسم الكتب السرية والوثائق غير المنشورة، قسم الميكروفيلم والأشرطة والأسطوانات، قسم المطبوعات الحربية والعسكرية، قسم الآداب الشرقية (موزعة على 160 لغة من لغات شعوب آسيا وأفريقيا).. ويعتبر هذا القسم الأثمن والأكبر في روسيا والاتحاد السوفييتي السابق. وهو متنوع المواضيع والعصور التاريخية. ويضم عدداً من المؤلفات والكتب الثمينة والنادرة.

مشروعات وتحديث مستمر

ويؤكد المسؤولون عن المكتبة، أنها تواصل الاشتغال حالياً على مجموعة مشروعات متخصصة، وبالتعاون مع شركات الإنترنت البارزة وبعض من أعظم المكتبات في العالم، سعياً إلى توفير وتأمين باقة منوعة غنية من مصنفات التراث الأدبي والتسجيلات الصوتية والأرشيف السينمائي العالمي على الإنترنت.

ويقول المسؤولون، إنهم يتطلعون لجذب تمويل خاص لتطوير مشروعات، تضم ملايين من الأشياء الفريدة، ذاك بالتنسيق مع مكتبات عدة في الصين والهند والعالمين العربي والإسلامي.

ويقوم هذا المشروع على أساس خطط وبرامج عمل وثائقية رقمية توثق العلاقات بين وروسيا والعالم. كما تجري المكتبة، مناقشات مع مكتبات عدة في العالم لضم مجموعة من الأعمال العلمية الإسلامية المهمة التي تعود إلى القرون الوسطى، موجودة في المكتبة الرقمية العالمية. كما أنها تحاول إعداد سجل موثق للثقافات الأخرى في العالم، ويتوقف حجم ما تستطيع تحقيقه على العدد الذي تستطيع جذبه، من الشركاء الإضافيين.

ويبدو من جميع تلك التوجهات والمشروعات، أن المكتبة الحكومية الروسية، أخذت على عاتقها تأدية مهام المكتبة الحكومية باعتبارها الهيئة التي تقوم بجمع التراث الفكري السوفييتي والروسي والعالمي، حفظاً، وتنظيماً. ومن جهة أخرى، تركز المكتبة من خلال دائرة خدمات المستفيدين، على تطوير وتنويع آليات عمل ومضامين الخدمات المباشرة..

وغير المباشرة التي تقدمها لروادها، غاية تيسير الاستفادة من مجموعات مصادر المعلومات بمختلف أصنافها. وذلك عن طريق تنظيم المواد بإعداد الفهارس اليدوية والآلية والإلكترونية. واستقدام أحدث الأنظمة في المجال، وتصنيف الكتب وترتيبها وفق التقنيات العالمية لتيسير استرجاعها. واتخاذ إجراءات استعارة الكتب والدوريات والمواد السمعية البصرية التي تلائم الرواد.

2005

تستخدم المكتبة الحكومية الروسية أحدث الوسائل التكنولوجية في تقديم خدماتها للمستفيدين، وتحتوي على مجموعة من المقتنيات في جميع مجالات المعرفة البشرية في أشكالها الورقية والسمعية والسمع بصرية. ويستطيع المستفيد استخدام الفهرس الآلي للمكتبة من داخل المكتبة أو من أي مكان في العالم من خلال موقع المكتبة على شبكة الإنترنت.

كما تتوافر قاعة المكتبة الإلكترونية «LG»، والتي افتتحت في عام 2005.. وقاعة إنترنت ومواد إلكترونية، إذ نظرت المكتبة في إعادة هيكلة المؤسسات التقليدية الحالية، لتحسين الأداء الإداري التقليدي المتمثل في كسب الوقت وتقليل التكلفة في عملية إنجاز المعاملات، ذاك وفق تطور مفهوم الإدارة الإلكترونية..

والنظر في الموارد البشرية المتاحة والعمل على رفع كفاءتها ومهاراتها تكنولوجيا لربط الأهداف المنشودة للإدارة الإلكترونية بالأداء والتطبيق. وتقييم البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتحريرها لكي تستجيب لمتطلبات الخدمات اللازمة بالحجم والنوعية، لتحقيق الخدمات اللازمة للإدارة الإلكترونية.

وفي هذا الصدد، وتسهيلاً على المستفيدين والعاملين، وضعت المكتبة التشريعات والأنظمة القانونية المتخصصة، كما تبنت معايير دقيقة لضمان بيئة إلكترونية متوافقة. وجميع ذلك يهدف للخروج برؤية وإستراتيجية واضحة تفيد في الانطلاق بخطى ثابتة نحو تطبيق الإدارة الإلكترونية.

مركز الأدب الشرقي.. 800 ألف كتاب عن الإسلام والعالم العربي

أنشئ في المكتبة مركز الأدب الشرقي الذي يحتوي على ما يزيد على 35 ألف اسم للكتب والنشرات الدورية. وتضم خزانة المركز العمومية ما يزيد على 800 ألف كتاب تتخصص في موضوع الإسلام في جملتها. وتمتلك المكتبة الحكومية الروسية موسوعة غنية لمصاحف القرآن الكريم، بما فيها بعض المخطوطات.

وشكلت أساس هذا المركز مجموعة رجل الدولة والمستشرق الروسي أبرآم نوروف الذي كوّن مجموعة تحتوي على كتب ألفت باللغات العبرية والصينية والعربية والسنسكريتية. وأنشئ القسم/ المركز الشرقي لدى المكتبة في عام 1919، وترأسه الأكاديمي وعالم اللغة التركية فلاديمير غوردليفسكي..

ومن ثم تحول هذا القسم في عام 1993 إلى مركز الأدب الشرقي لدى المكتبة الوطنية الروسية. ويضم المركز حالياً مخزونات وكاتالوغات مطبوعة بما يزيد على 200 لغة لشعوب آسيا وأفريقيا. وينظم المركز، إلى جانب ممارسة النشاط التقليدي، معارض متنوعة.

تسهيلات نوعية وأنظمة عمل توفر الجهد والمال على الراغبين

المكتبة الحكومية الروسية، هي مكتبة عامة مجانية مفتوحة للجميع، تفتح أبوابها للرواد كل يوم من الساعة التاسعة صباحاً وإلى الثامنة مساءً. ويكفي الزائر للدخول إليها، أن يعرض بطاقة إثبات شخصية واحدة (هوية أو…)، ليستطيع التسجيل كعضو فيها. ومن ثم يصبح عضواً ويقدر الاستفادة من مضامينها فور تعبئة نموذج طلب ودفع مبلغ زهيد يعادل 10 دراهم إماراتية.

وكذا صورة شخصية، ليحصل فوراً على بطاقة اشتراك مجانية تتيح له الدخول إلى حرم المكتبة، واستخدام محتوياتها الهائلة واستعارة جميع أنواع مصادر المعلومات وأوعيتها..

واستخدام الإنترنت. ذاك علاوة على مصنفات الموسيقى والأفلام. ولا يتأخر موظفو المكتبة عن مساعدة أي من الزائرين والباحثين للعثور على ما يحتاجون ويطلبون من مواد ومؤلفات وأبحاث. ولكن، في العموم، لست ملزماً بالتحدث معهم إذا لم تكن الروسية لغتك الأولى. فهناك في بالمكتبة مواد أو صحف بلغتك الخاصة (من أي بقاع الأرض كنت).

المصدر: د. معمر الفار

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*