تغريب روسيا في عهد بطرس الأكبر

كتب – خالد بيومي

حدث تغريب روسيا إبان حكم بطرس الأكبر ( 1672- 1725 ) ، وإخضاعها للتأثيرات الأوروبية ، على تحو اتسم بالمفاجأة ، وقام هذا القيصر العنيف بتأسيس الإمبراطورية الروسية ، وتشييد عاصمة جديدة لها هي سانت بطرسبورج على نهر نيفا ، على مقربة من بحر البلطيق . وألقى بروسيا بعنف في التيار الرئيس للحضارة الأوروبية ، واستطاع بفضل انتصاراته الحربية على الأتراك والسويدين أن يكسب لبلده مكانا بين الدول الأوروبية القائدة ، وسار بخطى محمومة وقسوة بالغة في تحويل وطنه نحو الدنيا ، وفي ذهنه هدف واضح محدد جداً : أن ينسلخ عن التقليد البيزنطي الذي يدين بالتزمت والعزلة ، وأن يشجع التقدم الدنيوي في كافة مجالات الهيئات الحكومية والثقافة العامة ، وتمكن من تحقيق أهدافه بطرق اتسمت بالبربرية في الجانب الأكبر منها ،وسحق معارضة العسكريين والنبلاء سحقا دمويا ، وعذب وقتل كل من اعترض طريقه ، بما فيهم ابنه أليكس . وفي هذا يكمن ما اتسم به عهده من تكافؤ الضدين : الإصلاحات من ناحية ، وعبء الآلام الأكبر الملقى على الشعب من جهة أخرى .

بدأ بطرس عملية التغريب هذه باستعارة طرق التطبيق الفنية من البلاد الأوروبية الأكثر تقدما ، ولكنه في النهاية كان قد استحوذ على مجموعة جديدة من القيم الثقافية ، فمع استيراد الساعات والشعر المستعار والمدفع ، استورد الباليه الألماني ، والشعر الفرنسي ، والصور الإيطالية ، ، وأدى هذا إلى تحرير العلوم ، والآداب بغتة من سيطرة الكنيسة ، وجعل المدارس علمانية ، وبسط الحروف الهجائية ، وشجع التبادل الشخصي مع الغرب واستقدم ربابنة البحر من هولندا ، والمهندسين العسكريين من فرنسا ، ورجال المدفعية من ألمانيا ، وشجع ترجمة مؤلفات الفلاسفة والعلماء ورجال السياسة من الأوروبيين ، ومنع ترجمة المؤلفات اللاهوتية ، وكان فهمه للأدب نفعيا خالصا ، فهو يفضل الكتب التي يعدها ذات فائدة ، وطلب من الكتاب أن يساعدوه في مساعيه ، وقام بنفسه بتأسيس أول جريدة روسية وتولى الإشراف على طبعها ورئاسة تحريرها .

نجح بطرس في تغريب الطبقات العليا ، وأرغم طبقة البويرز ( الفلاحين ) القدامى على إزالة لحاهم ، وارتداء سترات ألمانية ، وألزم شباب النبلاء بدراسة اللغات الأجنبية ، وانتهاج آداب السلوك الفرنسية . ولكن عملية التغريب المطردة بين ملاك الأراضي والفئة الجديدة القليلة الحاكمة لم تترك أدنى تأثير في جماهير الشعب عامة ، وازدادت الهوة بينهم وبين سادتهم اتساعا ، وعظمت العزلة بين المجتمع المثقف وبين الفلاحين وعامة الشعب .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*