مقالة”روسيا في مواجهة الأزمات البيئية الداخلية خلال عام 2019″ ضمن التقرير الروسي السنوي عام 2020

قامت الأستاذة معالي محـمد باحثة دكتوراه في العلاقات الدولية في نشر مقالة بعنوان “روسيا في مواجهة الأزمات البيئية الداخلية خلال عام 2019” وذاك ضمن التقرير السنوي الأول أول جهد بحثي متكامل، وهو التقرير السنوي الروسي الأول عام 2020 من إصدارات “المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم” بالتعاون مع مركز “الحوار” للدراسات السياسية والإعلامية.

 وأشارت الباحثة “معالي محمد”باحثة دكتورة في العلاقات الدولية، بأنها  بدأت في كتابة أدبيات العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، منذ بداية سبعينات القرن العشرين تركز على إعادة تعريف مفهوم “الأمن” بحيث تضمن ثلاثة أنواع من التهديدات بخلاف التهديدات العسكرية، وهي التهديدات السياسية، والاقتصادية، والبيئية.  مما جعل التهديدات البيئية محل اهتمام وفى هذا الإطار ستعرض هذه الورقة روسيا في مواجهة الأزمات البيئية الداخلية خلال 2019 من خلال محورين أولاً-فيضانات كريمسك جنوب غرب روسيا. ثانيًا-الانفجارات النووية وحقيقة ما حدث، وإن التهديدات التي تطرحها الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات، تتطلب تجديد متواصل في أنظمة الإنذار المبكر وعمليات تقييم للمخاطر على مستوى المدن (المحلي) والدولة (القومي) ككل، لأنه عندما تقع الكارثة “على الأرض” يلاحظ عدم القدرة على التعامل معها كما لو أنها تحدث لأول مرة، بل يسود الارتباك أجهزة وهيئات الدولة، باستثناء القوات المسلحة، على الرغم من وجود خرائط تفصيلية لطبيعة المخاطر التي تنتج عن حدوث فيضانات كغرق السفن في المناطق الساحلية أو انهيار الجسور والسدود في المناطق الزراعية أو السيول في المناطق الصحراوية، بما يوحي بأن كارثة الفيضانات تبدو وكأنها تفاجئ الجميع لحظة وقوعها رغم وجود سيناريوهات معينة واعتمادات مالية وهياكل إدارية جاهزة للتحرك، ولكنها تعكس أعراض الهشاشة التي تعاني منها المؤسسات، وهناك احتمالية أن هذا ما حدث عندما وقعت فيضانات عنيفة في كريمسك قرب البحر الأسود جنوب غرب روسيا خلفت ما يزيد عن  170 قتيلاً وألحقت هذه الفيضانات أضرارا بما يقرب من عشرة آلاف و900 منزل، كما تضرر 42 ألفا و700 شخص و86 مرفقًا اجتماعيًا، ولقى 25 شخصا مصرعهم جراء الفيضانات.

وأضافت، بأنها تعد هذه أول كارثة طبيعية كبري تواجهها روسيا منذ أن عاد بوتين إلى الكرملين لفترة رئاسية ثالثة. وتلقت السلطات الروسية انتقادات واسعة على اعتبار أنها كانت مدركة لخطر الفيضانات في المنطقة؛ حيث سبق ان واجهت فيضانات ضخمة في 2002 تسببت حينها في مقتل 200 شخص، وأنها لم تنذر السكان المحليين، ولم تتخذ الاحتياطات الكافية، كما أرجع البعض الكارثة إلى فتح مياه سد في أعالي المنطقة سواء عمدا أو عرضا لخفض المياه من بحيرة نيبيردجايفسكو الاصطناعية والتي تقع على ارتفاع 300 متر في منطقة جبلية عرضها عشرة كيلومترات تفصل بين الساحل والوادي بكريمسك، فيما أكد المسئولون أن السد لم يكن مزودًا سوى بنظام لتفريغ المياه الزائدة وأن السد لم يتسبب بالكارثة بل خفف من وطأتها وأن محتوى البحيرة ارتفع من 3 الى 8 ملايين متر مكعب خلال الليل، غير أن تفريغ المياه الزائدة بدأ بعدما كانت المياه غمرت كريمسك .

وأكدت، بأنه في 5 أغسطس 2019 أي قبل الحادثة المعلنة بثلاثة ايام بدأت بعض المواقع واليوتيوب بنشر أنباء وفيديوهات عن مشاهد وتسجيل لتفجيرات مختلفة قيل وقتها إنها لانفجار تجربة صاروخ روسي يعمل بالطاقة النووية، وتضمنت الأنباء والفيديوهات المتداولة على تناقضات كبيرة وأخطاء، وهذا كان إشارة واضحة للتخطيط من جانب بعض أجهزة المعلومات الغربية لشن حملة دعاية مضادة لكفاءة الصواريخ الروسية أو حتى القيام بعملية سيبرانية في هذا المجال وفي 8 أغسطس 2019 أوردت وكالة تاس الروسية شبه الحكومية تصريحا لوزارة الدفاع الروسية ، يشير إلي وقوع انفجار محرك صاروخي نفاث يعمل بالوقود السائل في مركز اختبارات بمنطقة ارخانجلسك، في قاعدة نيونوكسا العسكرية الروسية في مدينة سيفيرودفينسك شمال روسيا – التي افتتحت في 1954 والمتخصصة في اختبار الصواريخ للأسطول الروسي وتجرى فيها خصوصاً تجارب حول الصواريخ الباليستية موضحة ان اشتعال الوقود السائل هو المتسبب في الانفجار ونتج عن الحادث وفاة اثنين وأصابه آخرين من عناصر وزارة الدفاع ، ومن مهندسي تطوير الصواريخ الذين تم نقلهم للمستشفى لتلقي العلاج وأكدت وزارة الدفاع عدم تسرب أي نواتج ضارة في الجو، وأن مستوي الاشعاع في المستوى العادي ولا توجد حاجة لإخلاء السكان. اكتفت وزارة الدفاع الروسية ببيان موجز قال إن اثنين من موظفيها قتلا في اختبار لنظام دفع بالوقود السائل،  في 10 أغسطس أعلنت شركة “روساتوم” الروسية أن هناك خمسة العاملين في الشركة لقوا حتفهم جراء الحادثة، وتم تشييع جثامينهم في جنازة رسمية بخلاف ثلاثة عاملين آخرين مصابين. وهذه كانت أول اشرة إلى أن هناك عاملين بالشركة التي تعد من أكبر الشركات العالمية في تصميم وبناء مفاعلات القوى النووية لإنتاج الكهرباء ولها مشاريع نووية ضخمة في عديد من دول العالم ومن بينها مصر.

من 11 أغسطس بدأ الاعلام الغربي في نشر العديد من الأنباء عن الحادثة وتضاعف القلق عندما توقفت محطتان روسيتان لمراقبة المواد المشعة تابعتان لمعاهدة حظر التجارب النووية، هما دوبنا وكيروف عن إصدار بياناتها في غضون يومين من الانفجار،  وفي يوم 13 أغسطس أبلغ مسؤول رئيسي بالمنظمة شبكة “سي أن أن” بأن مركزين جديدين يقعان في بيليبينو وزاليسوفو قد توقفا أيضا عن إرسال البيانات وسط تقارير عن انتشار سحابة نووية إلى المناطق المجاورة، كما السلطات الروسية أغلقت خليجًا قريبًا من موقع الحادثة لمدة شهر، مما ضاعف الشكوك حول وجود تسرب إشعاعي يتم التعامل معه .

وبعد إنكار وجود تسريب إشعاعي اضطرت وكالة تاس الرسمية للاعتراف بأن مستويات الإشعاع ارتفعت في مدينة سفرودفينسك، 16 ضعفا عن الحد الطبيعي، وتم الإعلان في البداية عن وفاة شخصين ليرتفع العدد إلى خمسة، وليصل بعد ذلك إلى سبعة، وصفهم فالنتين كوستيوكوف رئيس مركز نووي في شركة “روساتوم” التابعة للحكومة الروسية بأنهم صفوة العلماء في المركز النووي التابع للاتحاد الروسي.

كان الإعلام الروسي الرسمي مقترا للغاية في نشر خبر الحادثة أو التعليق على الأخبار المتداولة مما أصاب العديد من الأوساط الشعبية بالقلق خاصة في دول الجوار والدول التي لديها برامج مفاعلات قوى نووية، مما أعطى فرصة كبيرة لمناهضي الطاقة النووية ومناهضي تلوث البيئة سواء لأسباب سياسية أو فنية حيث أنه بعد أيام من الصمت المطبق اعترفت موسكو بعد كثير من التردد بأن الانفجار الذي وقع في قاعدة لإطلاق الصواريخ في شمال البلاد ينطوي على طابع نووي، وأن هذا الحادث وقع خلال القيام بتجربة “محرك صاروخ يعمل بالوقود السائل”.

يوم 19 أغسطس 2019 صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قلعة بريجانكون بفرنسا، مؤكدًا “عدم وجود أي تهديد هناك”، ولا توجد زيادة في الإشعاع على خلفية الحادث. *

نظرية التصعيد من أجل التفاوض.. هل تتبعها روسيا؟ أم أنه انفجار لأغراض دعائية؟

تزامن الانفجار مع تصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن حول البرنامج النووي الروسي بسبب انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة 1987 التاريخية للحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى – كانت هذه المعاهدة تحظر استخدام سلسلة من الصواريخ التي تحمل رؤوسا نووية متوسطة المدى من 500 الى 5500 كيلومتر-  في 2 أغسطس، متهمة روسيا بالتراخي عن الالتزام بالمواعيد النهائية التي حددتها لوقف العمل على أسلحة جديدة، ليرد بوتين بالانسحاب من المعاهدة هو الآخر وهو ما أجج سباق التسلح النووي بين البلدين من جديد تمامًا كما حدث في الحرب الباردة.

وقد كانت تجربة هذا الصاروخ استمرارًا لسياسة روسية تقوم على استعراض القوة، وقد عبر عنها الرئيس فلاديمير بوتين في رسالته السنوية أمام الجمعية الفيدرالية في الأول من شهر يونيو 2018، قبل الانتخابات الرئاسية بـ3 أسابيع، وفي أجواء دعائية حماسية، بأن روسيا تعكف على تطوير صواريخ جديدة، قادرة على التغلب على كافة الوسائل الدفاعية الأمريكية والغربية، والوصول إلى أي بقعة على الخارطة – جاء هذا التصريح عقب الانسحاب الأمريكي الفردي من معاهدة الصواريخ متوسطة المدى وعقب التهديد الأمريكي بوضع هذه الصواريخ في بلاد أوروبا الشرقية ( رومانيا وبولندا) الملاصقة لروسيا – حيث شدد بوتين على أن بوريفيستنيك 9M730، إلى جانب ترسانة الأسلحة النووية الجديدة الأخرى، ستجعل دفاعات الناتو “عديمة الفائدة كليًا”، مشيرًا إلى أن روسيا “التي لا يستمع إليها أحد” ستجبر الجميع على الإنصات بإمكاناتها النووية الأكبر في العالم .

الانفجار حدث بسبب المحرك النووي بوريفيستنيك 9M730 Burevestnik   أو petrel،” بتسمية روسيا والتي تعني “نوء العاصفة”، والنوء هو نوع من الطيور البحرية، أو “”SSC-X-9 Skyfall”الكارثة الكونية” حسب تسمية الناتو والذي يعمل بالطاقة النووية أحد “أسلحة يوم القيامة” التي قدمها الرئيس الروسي بوتين في 1 مارس 2018، حيث وصفه بصاروخ كروز نووي الدفع والتسليح، والذى قال الرئيس أنه سيكون له نطاق غير محدود بفضل وحدة الدفع النووي، موضحًا أنه قد تم اختباره بالفعل.

وبحسب الدعاية الروسية، يصل طول بوريفيستنيك 11 مترًا، ويستطيع التجوال لأيام قريبًا من الأرض في أنماط دائرية، بما يعقد محاولة إسقاطه، قبل التحرك نحو هدفه لدى تلقي الأوامر، وقدرة الدفع النووية للصاروخ تعطيه أفضلية هائلة من حيث نطاق ومدى الطيران، مقارنة بصواريخ الكروز الأخرى العادية والتي تعمل بالوقود العادي، والتي تستطيع الطيران إلى مدى يصل إلى ألف ميل فقط.

شكك الخبراء في امتلاك بوريفيستنيك أية فرصة للانتقال إلى مرحلة التشغيل كما أوضح تقرير للاستخبارات الأمريكية في عام 2018 أن التجارب الأربعة السابقة لصاروخ “بوريفيستنيك” في الفترة بين نهاية 2017 وبداية 2018 فشلت جميعها بعد أن قطع أفضلها مسافة 35 كيلومترًا فقط.

على الرغم من الحادث، تباهى الكرملين بتفوق روسيا على الولايات المتحدة في سباق تطوير أسلحة نووية حديثة في الوقت الذي وصف فيه مسؤول كبير في إدارة ترامب الانفجار بالانتكاسة الكبرى للبرنامج الروسي بينما أوضح ترامب أن الولايات المتحدة تعرف الكثير عن انفجار الصاروخ الفاشل، وإن بلاده تملك صاروخًا مماثلًا، لكنه أكثر تطورًا.

بعض المراقبين رأى أن إعلان بوتين عن إنتاج أسلحة روسية خارقة تعجز منظومات الدفاع الجوي عن التصدي لها جاء ايضا بعد تأزم علاقاته مع أوروبا نتيجة الأزمة الأوكرانية.

فيما رأى بعض المراقبين أن القيمة الحقيقية لـ بوريفيستنيك 9M730  تتمثل في كونه “سلاحًا انتقاميًا” يمكن مالكيه “من الرد على ضربة نووية متقدمة ومدمرة؛ باعتبار أنه يمكن “نظريًا” تعليقه في الجو بأمان لفترة طويلة قبل التوجه لضرب أهدافه لكنه غير جاهز للنشر لعدة أسباب بينها المخاطر والتكلفة الضخمة وانعدام الجدوى وأنه أحد سبعة مشاريع من “أسلحة يوم القيامة” التي كشف عنها بوتين في 2018 ليكون بمثابة فرد العضلات عبر استهداف الخارج برسالة مفادها أن روسيا ما زالت قوة عظمى متفوقة عسكريا، والداخل بمبرر للإنفاق العسكري وتصدير الانبهار الشعبي بصلابة العسكرية الروسية.

قائمة المراجع:

المراجع باللغة العربية:

عباس أبو شامة عبد المحمود، مواجهة الكوارث غير التقليدية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض ،2009.

المراجع باللغة الإنجليزية:

  1. Daniel deudney, “Environment and Security :Muddled Thinking”, Bulletin of Atomic scientists , April 1991.
  2. https://edition.cnn.com/2019/08/06/asia/arctic-fires-russia-climate-change-intl/index.html.
  3. http://bit.ly/2Vv99VJ.
  4. ‘Accidents happen,’ says Kremlin as it breaks silence on suspected nuclear missile explosion

By Olga Pavlova and Nathan Hodge, CNN August 13, 2019 https://edition.cnn.com/2019/08/13/europe/russia-missile-technology-kremlin-intl/index.html

  1. Russia’s Radiation Sensors Mysteriously Went Offline After Superweapon Explosion Two Weeks Agohttps://www.iflscience.com/technology/russias-radiation-sensors-mysteriously-went-offline-after-superweapon-explosion-two-weeks-ago/
  2. What a mysterious explosion tells us about Russia’s ‘doomsday weapon’

https://edition.cnn.com/2019/08/17/europe/russia-nuclear-summer-skyfall-intl/index.html

  1. Russia’s Putin denies increased radiation levels following deadly blast https://edition.cnn.com/2019/08/19/europe/russia-nuclear-explosion-radiation-intl/index.html August 19, 2019
  2. A deadly mishap in Russia’s Far North, and a nuclear mystery lingers, available on: https://cnn.it/386WQSi.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*