إگناطيوس يوليانوڤيتش كراتشكوڤسكي شيخ المستعربين الروس (1883-1951)

إگناطيوس يوليانوڤيتش كراتشكوڤسكي

إگناطيوس يوليانوڤيتش كراتشكوڤسكي

إگناطيوس يوليانوڤيتش كراتشكوڤسكي

بالروسية: КРАЧКОВСКИЙ Игнатий Юлианович

بالإنگليزية: KRACHKOVSKY ؛ (16 مارس 1883 – 24 يناير 1951 )

هو بحق مؤسس مدرسة الاستعراب الروسية حيث وضع منهج دراسة تأريخ وآداب العرب في مختلف الأمصار وكان أول من ترجم معاني القرآن الكريم الى الروسية من اللغة العربية مباشرة ترجمة علمية دقيقة. وما زال الدارسون يلجأون الى هذه الترجمة بالذات لدى التحقق من صحة ترجمة معاني بعض السور. وكتب كراتشكوفسكي حوالي 450 بحثا ومقالة نشرت في مؤلفاته الكاملة. ودرس أشعار أبو العتاهية والمعري والمتنبي والبحتري وصنف اعمالهم في الغزل والهجاء والحماسة ، كما درس الرواية التاريخية العربية ونشرت تحت اشرافه الطبعة الاكاديمية ل”حكايات ألف ليلة وليلة”. ونشر كراتشكوفسكي دراساته في تحقيق العديد من المخطوطات العربية المحفوظة في خزائن أكاديمية العلوم الروسية في سانت پطرسبورگ. كما ترأس الجمعية الجغرافية الروسية ومعهد الدراسات الاستشراقية.

 حياته :- 

ولد إغناطيوس كراتشكوفسكي في 16 مارس عام 1883 بمدينة ڤيلنا (حاليا ڤيلنيوس عاصمة جمهورية ليتوانيا على ساحل بحر البلطيق) ابناً ليوليان فوميتش كراتشكوڤسكي (بالروسية)، مدير معهد المعلمين هناك. وقد أبدى منذ سنوات اليفاع اهتماما بالآداب الشرقية وتعلم لغات أهل الشرق. وفي فترة 1901 – 1905 درس في كلية اللغات الشرقية في جامعة سانت پطرسبورگ فبدأ بالغة العبرية واللغة الحبشية، كما حضر دروس زوكوڤسكي Zukovskij في اللغتين الفارسية والتركية التتارية. درس تاريخ الشرق الإسلامي على يد المؤرخ الروسي بارتولد، ثم اللغة العامية عند مليورانسكي Milioranskj. ومع أنطوان خشاب، تدرب على لغة المخاطبة العربية بلهجة شامية. وتعلم اللغات العربية والفارسية والتركية والتتارية.

لكن العربية كانت اللغة الأولى التي جذبته ودفعته إلى دراسة تاريخ الشرق الإسلامي، فتتلمذ على أيدي أهم علماء زمانه مثل ميليورانسكي Melioransky في علم اللغة العام، وبارتولد Bartold في التاريخ الإسلامي وڤَسيلوڤسكي A.N.Vasselovsky في تاريخ الأدب العام، وميدنيكوي Mednikoy وڤكتور فون روزن V.v.Rosen في علوم العربية، وتخرج في عام 1905 حائزاً الميدالية الذهبية لمؤلَفه عن الخلافة في عهد الخليفة العباسي المهدي. وقد استقى هذه الدراسة من مصادرها العربية كالطبري وابن الأثير والعيني والمسعودي وغيرهم، ونال درجة الماجستير عام 1907، وكان عنوان رسالته «أبو الفرج الوأواء الدمشقي».

أوفدته جامعة سان بطرسبورگ عام 1907 إلى المشرق العربي، لتعلّم اللهجات العربية المحكية الدّارجة وتعرف الآداب والعادات، واللقاء مع علماء العربية فأمضى سنتين في مدن سورية ولبنان وفلسطين ومصر، وتردد على الكلية اليسوعية في بيروت، والجامع الأزهر والجامعة المصرية، والمكتبة الخديوية في القاهرة، والمكتبة الظاهرية في دمشق، والمكتبة الخالدية في القدس، ومكتبة الموارنة في حلب، وتعرف جرجي زيدان وأحمد زكي وخليل السكاكيني وإسعاف النشاشيبي والأب لويس شيخو. عُيّن بعد عودته مديراً لمكتبة اللغات الشرقية في جامعة سان بطرسبورغ ثم مدرساً للعربية ثم معلماً أولَ للدراسات العربية فيها.

اتبع منهجا مختلفا تماما عن مناهج المستشرقين الاوروبيين. واعتمد لحد كبير على المصادر العربية الاصلية وزار لهذا الغرض لبنان وسوريا ومصر والتقى علماء اللغة ورجال الثقافة العرب وارتبط بعلاقات صداقة مع العديد منهم احدهم أمين الريحاني. ونشرت أعماله باللغة العربية منها كتابه حول المخطوطات العربية كما نشر تحت رعاية جامعة الدول العربية كتابه حول تاريخ المراجع الجغرافية عند العرب.

تهمة التجسس لفنلندا :-

وقد عانى اغناطيوس كراتشكوفسكي مثل غيره من رجال العلم والثقافة بروسيا من الأوضاع المضطربة في البلاد بعد ثورة اكتوبر عام 1917. فقد اعتقل مع زوجته في 20 يوليو/تموز عام 1922 حين كان يحتفل بذكرى مرور 10 أعوام على زواجه. وفي البداية زج به في سجن دائرة الامن ومنه نقل الى سجن آخر ووضع في زنزانة انفرادية. ووجهت اليه تهمة التجسس لحساب فنلندا باعتباره رئيس زمرة التجسس. وكان الاتهام يعتمد على وجود صلة لزوجته مع عائلة فنلندية كانت تزودهم بالمواد الغذائية في عام 1917 وتم الاتفاق معها على ان يقضي كراتشكوفسكي وزوجته العطلة الشتوية في بيت العائلة في فنلندا. وقد تدخلت ادارة أكاديمية العلوم الروسية لدى المسؤولين من اجل اطلاق سراحه لأن التهمة باطلة من الاساس. ولكن لم يطلق سراحه بل سمح له فقط بالاستفادة من كتب المتحف الاسيوي لأكاديمية العلوم. وقرأ كراتشكوفسكي في السجن الكتب حول التأريخ العربي والاسلام والحضارة الاسلامية ودرس النحو العربي واللهجة المصرية وكتب عدة مقالات وملاحظات. ومن ثم سمح له بعد نقله الى سجن آخر بأن يتنزه في باحة السجن وان يلتقي زوجته. وقد اثمر تدخل أكاديمية العلوم الروسية في نهاية المطاف عن صدور قرار بنفي كراتشكوفسكي وزوجته إلى خارج البلاد أو إلى مقاطعة ڤياتكا. لكن كراتشكوفسكي طلب نفيه مع زوجته إلى فياتكا وليس الى خارج البلاد. وتدخل في القضية ميخائيل سوكولوڤ العالم المختص بالدراسات العبرية وصديق كراتشكوفسكي واستطاع اقناع السلطات ببراءة كراتشكوفسكي من التهمة الموجهة اليه. فأخلي سبيل كراتشكوفسكي في 12 يناير عام 1923 وعاد الى مكان عمله في كلية الاستشراق. وعمل هناك حتى وفاته في عام 1951 . وكان يقطن في ” بيت الاكاديميين” لأنه حصل على لقب بروفيسور ومن ثم لقب اكاديمي (عضو في أكاديمية العلوم السوڤيتية) ومنح لهذا شقة في البيت المذكور.

ترجمته للقرآن الكريم:-

وبرز كراتشكوفسكي في الاوساط العلمية الروسية بصورة خاصة لترجمته معاني القرآن ولدراسته المخطوطات العربية القديمة ولإبداع ابو العلاء المعري وفكره.

وفيما يخص ترجمة معاني القرآن فقد صدرت اول ترجمة لكتاب الله في القرن الثامن عشر بأمر من القيصر الروسي بطرس الاكبر، وصدر الكتاب مترجما عن الفرنسية ، وانجز الترجمة پيوتر بوسنيكوڤ الشخصية الثقافية المعروفة آنذاك. ثم صدرت ترجمتان اخريان من الفرنسية أيضا ونشرتا في عام 1790 . وأنجز احداهما الاديب م. فيريوفكين. وقد استوحى الشاعر الروسي الكبير الكسندر بوشكين قصائده ” محاكاة قرآنية” من هذه الترجمة بالذات. وفي عام 1792 صدرت ترجمة آخرى أنجزها الكسندر كولماكوڤ عن الطبعة الانجليزية للمترجم جون سيل الذي قام بترجمة معاني القرآن من العربية بصورة جيدة نوعا ما. ولهذا جاءت ترجمة كولماكوف أفضل من غيرها. علماً بأن المصحف الشريف طبع خمس مرات باللغة العربية بأمر من القيصرة يكاترينا الثانية في قازان. وكانت كافة التراجم السابقة ذات طابع ” تنويري” ولم تكن لها قيمة علمية لأن كافة المترجمين لم يكونوا من ذوي الاختصاص، لكنها مارست دورا مهما في تعريف القارئ الروسي بالاسلام على حقيقته. وفي السبعينيات من القرن التاسع عشر صدرت ترجمتان لمعاني القرآن الى اللغة الروسية من اللغة العربية مباشرة. وهما ترجمة الجنرال د. بوگوسلاڤسكي (عام 1871) الدبلوماسي الروسي الذي اهتم بالاستشراق ورافق الإمام شامل في أثناء وجوده في المنفى بمدينة كالوگا الروسية، لكنها لم تنشر. أما الثانية فهي ترجمة المستشرق المعروف والرحالة گ. سابلوكوڤ والتي نشرت مرتين في عامي 1894 و1907 باللغتين الروسية والعربية في آن واحد. واستمر الاعتماد على هذه الترجمة خلال فترة طويلة باعتبارها الآكثر دقة من غيرها.

لكن كراتشكوفسكي الذي ثمن كل التثمين هذه الترجمة وجد فيها الكثير من النواقص بإعتباره يجيد نفسه اللغة العربية. حيث ان لغة الترجمة كانت مترعة بالغموض وبالالفاظ الروسية القديمة المنسية علاوة على التعابير المسيحية المستخدمة في الكتاب المقدس مما كان يحول دون ادراك المعاني بدقة. ولهذا عكف نفسه على اعداد ترجمة علمية جديدة لمعاني القرآن منذ اعوام العشرينيات حين كان يلقي المحاضرات امام طلابه حول تفسير القرآن ، وتوفي كراتشكوفسكي دون ان ينجز الترجمة بصورة كاملة. وقد نشرت مع ذلك بعد وفاته، ومازال المختصون يعتبرون هذه الترجمة الاكثر دقة من جميع التراجم الصادرة سابقا ولاحقا.

تحقيق الأدب العربي القديم:-

من أهم انجازات كراتشكوفسكي، شيخ المدرسة الاستعرابية الروسية، في الأدب العربي القديم، نذكر أبحاثه حول الشاعر عبد الله ابن المعتز والمتنبي وأبو العلاء المعري وأبو الفرج الوأواء الدمشقي وتاريخ الأدب الجغرافي العربي والأندلسي، وغيرها من الدراسات التي شملت جميع فروع اللغة العربية وآدابها. كما أنه من الرواد القلائل الذين انتبهوا الى ظاهرة الأدب العربي الحديث، حيث قدم فيه دراسات عامة تبحث في تاريخ الأدب العربي الحديث ونشأته وظواهره، ودراسات حول الأدب العربي الحديث في بعض الأقطار العربية وغير العربية كأمريكا ومصر، ودراسات حول عدد من الكتاب العرب كطه حسين، محمود تيمور، توفيق الحكيم، ميخائيل نعيمة والشاعر محمد مهدي الجواهري. وقد أصدرت له أكاديمية العلوم السوڤيتية ما بين 1956 و1960 ست مجلدات تضم مجموع ما كتبه المستعرب كراتشكوفسكي في مختلف المجالات الأدبية والفكرية.

أبو العلاء المعري:- 

أما قصته مع أبي العلاء المعري فهي ذات شجون اذ اطلع لأول مرة على الترجمة الروسية لقصيدة “أبو العلاء المعري” التي نظمها الشاعر الارمني ف . اسحاقيان وترجمها إلى الروسية فان تيريان أحد طلاب كراتشكوفسكي. وقد انتقد كراتشكوفسكي الشاعر الارمني بسبب وجود أخطاء في سيرة حياة أبي العلاء وردت في قصيدته. واعتبر ذلك في سياق اخطاء المستشرقين الاوروبيين في تقييم الاعمال الادبية العربية. وكتب في رسالة إلى بريوسوف ناشر القصيدة في 16 نوفمبر عام 1916 ان الشاعر الأرمني مضى في درب الاوروبيين الذين يسيئون كثيرا الى التاريخ العربي والادب العربي بأعطاء تأويلات مشوهة للوقائع والاعمال فيهما. وبعد ذلك حين عثر بالصدفة على كتاب المعري ” رسالة الملائكة” أثناء وجوده في القاهرة وقام بترجمته ونشره في عام 1932. كما ابدى عجبه لعدم اهتمام العرب بتراثهم وعدم نشر الاعمال الاخرى للمعري.

واحتلت مراجعة المخطوطات العربية حيزا كبيرا من العمل العلمي لإگناطيوس كراتشكوفسكي. ويعتبر كتابه ” دراسة المخطوطات العربية” الصادر في عام 1949 وترجم الى عدة لغات اجنبية من أهم اعماله ومنح لقاءه جائزة الدولة السوفيتية في عام 1951.

مؤلفاته:-

بلغ عدد مؤلفات كراتشوڤِسْكي أربعمئة وثمانية وخمسين مؤلفاً أفرد جُلّها لآداب العربية من بحث وترجمة وشرح ونقد وتصنيف وتفسير وتحقيق وتوزعت في دوائر ثلاث:

  • الأولى تتناول تاريخ الشعر العربي القديم والحديث ونقده.
  • والثانية تتناول الآداب العربية عند نصارى العرب.
  • والثالثة تتناول تاريخ آداب العربية في عصر النهضة في القرن التاسع عشر، وكان أول من كتب بالروسية في هذا الموضوع، وتُعدّ دراساته من أهم المراجع الاستشراقية في هذا الحقل.

كان كراتشوڤِسْكي مستعرباً واسع الأفق متعدد الاهتمامات، تناول الحضارة العربية بالدرس والاستقصاء واهتم بمظاهرها الكبيرة والصغيرة جميعاً؛ ابتداء من دراساته العميقة عن المتنبي وأبي العلاء المعري وأبي العتاهية وصولاً إلى جمعه الحكايات الشعبية في الناصرة بفلسطين. عُني عناية فائقة بالأدب والحياة الاجتماعية عند العرب، وكان يعتقد اعتقاداً جازماً أن حضارة شعب ما إنما تتألف من هذه العناصر مجتمعة، ولابد لفهمها من تحديد مكانة كل ظاهرة في سياق التطور العام لتلك الحضارة، وتبيان الروابط العضوية التي تجمع بينها. وتركت نظرية كراتشوڤِسْكي الشهيرة عن الظواهر المتوازية في التطور التاريخي للأشكال الشعرية أثراً لا يَمَّحي في تاريخ الأدب، أما دراساته النقدية فقد اتجه فيها نحو التحليل المنطقي في المقارنة والمقايسة والاستدلال.

تميز كراتشوڤِسْكي بدراسة الأدب العربي الحديث في مرحلة كان الاستشراق العالمي يغوص في حفريات عن ماضي شعوب الشرق، فنشر بحثه «الرواية التاريخية في الأدب العربي المعاصر» (1911)، وبحثه «أثر الكتّاب الروس في الأدب العربي» (1910)، «قاسم أمين والمرأة الجديدة» (1912)، و«أمين الريحاني في شعره ونثره» (1922)، وعن «محمود تيمور ومجموعتيه القصصيتين الجديدتين» (1926)، و«محمد توفيق الحكيم» (1936) و«يوسف غصوب» (1948) و«محمد مهدي الجواهري» (1950)، وأيضاً عن رزق الدين حسون وسليمان البستاني وطه حسين وميخائيل نعيمه وإبراهيم اليازجي وجرجي زيدان والزهاوي وإلياس فرحات.

تعدّ أبحاث كراتشوڤسْكي عن العلاقات الأدبية الروسية العربية مادة غنية ذات أهمية كبيرة؛ فقد عرّفتْ بتطور هذه العلاقات بدءاً من العصور الوسطى (القرن الحادي عشر) وصولاً إلى النصف الأول من القرن العشرين. وقد ترجم ديوان الوأواء الدمشقي وبعض مؤلفات قاسم أمين، والريحاني، ولابد من الإشارة إلى وضعه «فهرسة المخطوطات العربية الروسية».

صدر كتاب كراتشوڤسْكي «تاريخ الأدب الجغرافي العربي» في عام 1975- أي بعد وفاته بسنوات عدة- وفيه عرض منظم للأدب الجغرافي العربي منذ ظهور التصورات الجغرافية عند العرب، ثم الجغرافية الرياضية، وفروع الجغرافية الأخرى عندهم مثل الجغرافية الوصفية والرحلات والجغرافية البحرية العامة والإقليمية.

انتخب كراتشوڤسْكي في عام 1921 عضواً عاملاً في قسم التاريخ واللغات في أكاديمية العلوم الروسية، ثم أميناً للقسم المذكور. وانتخب عام 1923عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية اليوم)، وعضواً مراسلاً في مجمع العلوم في إيران. نشرت منتخبات من آثاره بالروسية في ستة مجلدات بين عامي 1955 و1960.

من مؤلفات كراتشوڤِسْكي الأخرى: «ترجمة الشاعر أبي دحبل الجمحي» (1912)، «نظرة في وصف مخطوطات ابن طيفور والأوراق للصولي» (1912)، «حماسة البحتري وأول من اكتشفها في أوربا» (1912)، «مخطوطة جديدة للمجلد الخامس من تاريخ ابن مسكويه» (1916)، «التعاويذ عند عرب الجنوب» (1917)، «مخطوطة جديدة لديوان ذي الرمّة مع شرحه للأصمعي» ( 1918).

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*