”فلاديمير سولوفيوف“ الأب الروحي للرمزية الروسية

 

فلاديمير سولوفيوف

فلاديمير سولوفيوف

  ولد ”فلاديمير سولوفيوف“ عام 1853، في أسرة مؤرخ مشهور هو ”سيرجي سولوفيوف“. التحق بكلية الرياضيات والفيزياء في جامعة موسكو، ثم انتقل إلى كلية التاريخ واللغة، فتخرج منها عام 1873، ثم درس بعد ذلك لمدة عام في أكاديمية اللاهوت في موسكو. عمل مدرساً في جامعتي موسكو وبطرسبورج، وفي المعاهد النسائية العليا. منع من إلقاء المحاضرات، بعد أن احتج على ردود الفعل القاسية من قبل القيصرية على الذين اغتالوا القيصر ألكسندر الثاني، معولاً على مبادئ الأخلاق الدينية في التعامل.

  وضع ”سولوفيوف“ مذهباً فلسفياً مثالياً متميزاً، مارس تأثيراً كبيراً على التطور اللاحق للفلسفة الصوفية – الدينية البرجوازية في روسيا وخارجها. وقد وظف المشكلات اللاهوتية لخدمة الفلسفة والعلم والأخلاق والتنظيم المقبل للدولة، الذي تصوره في صيغة حكومة ثيوقراطية.

  يعتبر ”فلاديمير سولوفيوف“ الأب الروحي للرمزية الروسية، وكان يرى أن للعالم روحا خالدة، وكانت آراؤه مناقضة لأطروحات النقاد الواقعيين ومفهومهم عن الجمال الذي يقدسه الرمزيون في خلوده الصوفي الغامض الأمر الذي يصوره ”سولوفيوف“ بعمق:

الموت والوقت يسيطران على الأرض

فلا تستدعيهما بالأرباب

كل شيء سيدور وسيفنى في الغيب

وشمس الحب وحدها لا تزول.

  فالرمزية الروسية مثلت محاولة لسبر العالم المحسوس نحو الماورائيات وجمال أسرارها ، متكئة على اتساع آفاق تأويل الرموز. إنها تنطلق من أن صورة العالم المادي مجرد نافذة نحو اللامحدود وحيث لا تكتمل عناصرالجمال  بسريتها، حتى أن الرمزيين يرون الفن الراقي يعبر عن نفسه  حين تغدو الصورة مجرد رموز.

التمهيد الفلسفي – الديني للحوار الإسلامي المسيحي :

  يمكن فهم الحوار الإسلامي- المسيحي كتاريخ للعلاقات المتنوعة المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين عبر طوال قرون احتكاكهما معاً. لكن بعيدا عن ”الشعور بالعظمة والتفوق الأحادي الغربي، والصور النمطية السلبية عن الشرق المتعصب/ المتخلف/ الاستبدادي“..ارتكزت منطلقات ”سولوفيوف“ في رؤيته للآخر الإسلامي ومن ثم أمانات التفاعل والتحاور معه، وتحويل دفة ”التنافس والتصادم، إلي آفاق التحاور والتفاهم المتبادل“.

  اتهم ”سولوفيوف“ مذهبي المادية والإلحاد ”باللاأخلاقيين، وبتجريد البشرية منروحانيتها، وبترك الناس فريسة الحيرة والضياع“، ولام المسيحيين الذين ”لا يلتزمون في حياتهم بالقانون المسيحي“.

  كما انتقد التأويلات المادية للمذاهب الوضعية وللعقلانية الكانطية والهيغلية. وقال إن عيب الفلسفة الهيغلية يكمن في أن صاحبها يسلم بفعالية العقل، ولا يعير الدين الاهتمام الكافي. وقد دعا ”سولوفيوف“، رداً على الهيغلية، إلى تركيب كلي للعلم والدين والفلسفة.  

  وفي كتابه (الأسس الفلسفية للمعرفة المتكاملة) طالب ”سولوفيوف“ بأن تعالج الفلسفة ما طرحه اللاهوت من مشكلات المعرفة المتكاملة. وفي كتابه (نقدالمبادئ المجردة) حاول إثبات أن المهمة الأساسية للفلسفة لتقوم على “إغناء ذاتها بالأفكار اللاهوتية، أي تحولها إلى خادمة للاهوت”.

  كما ركزت بعض مؤلفات” سولوفيوف” الفلسفية (روسيا والكنيسة العالمية، الجدال العظيم والسياسة المسيحية، قراءات في ديانة الإله – الإنسان، تاريخ الثيوقراطية ومستقبلها) على ”دوغمائية“ رجال اللاهوت الصارخة، وهاجمت العنف واللامساواة الاجتماعية والقومية والحروب الدائمة بين الدول. وكان وقوفه ضد اللامساواة الاجتماعية والاضطهاد القومي، مصطبغاً بالمسوح الدينية المثالية. وقد رفض النضال الطبقي والثورات، وراح يفكر بحل كافة المشكلات الحادة، من خلال المصالحة بين الأغنياء والفقراء على أرضية دينية – أخلاقية. ولم يجد خلاص البشرية بتحقيق الاشتراكية والشيوعية، وإنما في بناء عالم ثيوقراطيوقد ترك مجموعة من الآراء شكلت تأثيراً في المنهجية الفلسفية الصوفية.‏

  وبخطابه الذي يختلف إلى حدٍّ بعيد عن الخطاب الغربي، الذي غالباً ما يداعب العواطف بالخطابات الإنشائية وبالمحاكمات السلبية، الروحية حيناً والغيبية حيناً آخر، عالج ”سولوفيوف“، طبيعة هذا الحوار الإسلامي–المسيحي برؤى متمايزة.

  شغلته، كغيره من المفكرين، قضيتان محوريتان: لماذا ظهر الدين الإسلامي(تاريخياً)؟، ومن هو ”محمد صلي الله عليه وسلم“، وما موقعه الديني الفعلي؟. ولعل محاولات ”سولوفيوف“ للإجابة علي هاتين القضيتين، تعكس مدي تطور التصورات المسيحية حول الإسلام.

  ففي كتابه (الخصام الكبير، والسياسة المسيحية1883) يرى خصوصية الشرق التقليدية التي تتمثل في تأكيد أبدية الهوة بين الإنسان والخالق، في رفض تألُّه الإنسان، كعقيدة أكَّد عليها الإسلام. فالإسلام لم يظهر كـ ”بدعة“ مسيحية (كحالة تطورية)، وإنما بصفته دينا آخر لا مسيحي، مع وجود الخلاف في كثير من التشريعات واليقينيات، كالخطيئة، والتكفير، والتبرير، والتجسيد الإلهي. فالإسلام ـ برأيه ـ يجسد الشرق بمضمونه الأكثر حسما ووضوحا، وبهذا يقر، آن المسلمين يتمتعون بوضع التفوق، لأنهم يعيشون طبقا لشريعة دينهم .

  وفي دراسته “محمد: سيرته، وتعاليمه الدينية”(1896)، ناقش “مسالة الإسلام”، فجاءت كنوع من الدفاع المسيحي عن الإسلام، وكون النبي ”محمد صلي الله عليه وسلم“ امتدادا  عضوياً توحيدياً “للشجرة الإبراهيمية. وير أنه من غير الصواب طرح تساؤل عن ”حقيقة نبوة محمد“. تماما مثل عدم جواز تحديد رسالته بأهداف ومهام قومية وسياسية: (لقد كان ”محمد“ يملك بالتأكيد عبقرية دينية خاصة).

  ونراه يضيف مؤكداً:(أن الإسلام استطاع بيقينياته العامة، التي يمكن بلوغها، وبفرائضه البسيطة أن يدخل كثيراً من شعوب المعمورة في التاريخ. فلهذه الشعوب فإن دين ”محمد“ أصبح مماثلاً لما كان عليه الناموس/ الشريعة بالنسبة لليهود، والفلسفة بالنسبة للهيلينيين. فهذه الشعوب تمر تاريخياً بمرحلة انتقالية ”عتبة الارتقاء“ من الطبيعة الوثنية-الهمجية إلي الثقافة الصحيحة الشمولية-المتكاملة، من الديانة الرواحية البدائية إلي الربوبية).

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*