“علاقات روسيا والغرب (الاتحاد الأوروبي-الولايات المتحدة الأمريكية)”من التقرير السنوي الروسي الأول لعام2020

نشرت د. إيمان أحمد عبد الحليم باحثة بالمركز الدبلوماسي للدراسات الدبلوماسية مقالة بحثية في موضوع  “علاقات روسيا والغرب (الاتحاد الأوروبي-الولايات المتحدة الأمريكية)”، وهذا البحث جزء من التقرير السنوي الروسي الأول لعام 2020 من إصدارات “المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم” بالتعاون مع مركز “الحوار للدراسات السياسية والإعلامية”.

أشارت د. “إيمان أحمد عبد الحليم” باحثة في “المركز الدبلوماسي للدراسات الدبلوماسية”، أنه كانت السمة الرئيسية لعلاقات روسيا والغرب خلال العام 2019، هو وجود محاولات للانفتاح مجددًا في علاقات الطرفين، وتجاوز مسببات الخلاف التي تفاقمت بينهما وخصوصًا حول الأزمة الأوكرانية منذ عام 2014. ولكن مع ذلك ظلت تداعيات تلك الأزمة قائمة، مع تعدد أسباب الحذر في علاقات روسيا مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

أولاً-علاقات روسيا والاتحاد الأوروبي:

أ‌)مظاهر الانفتاح في علاقات روسيا ودول الاتحاد:

شهدت علاقات روسيا مع دول الاتحاد الأوروبي انفتاحًا ملحوظًا، خصوصًا فيما يرتبط بعودة روسيا لمجلس أوروبا، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى باريس، وكذلك تبادل المعتقلين بين روسيا وأوكرانيا، وذلك فضلاً عن التوصل إلى اتفاق لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، وعليه نستعرض أبرز مظاهر هذا الانفتاح فيما يأتي:

1.عودة روسيا إلى مجلس أوروبا:

صوّتت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا على إعادة حق التصويت لروسيا، بعد 5 سنوات من تجميده، ضمن “العقوبات” المفروضة على موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، واعتمدت لجنة النظام الداخلي للجمعية البرلمانية قرارًا بشأن منح وفد روسيا صلاحيات للمشاركة في الدورة الصيفية التي انعقدت في يونيو 2019. وعلى الرغم من المعارضة القوية التي أبدتها أوكرانيا، فقد وافق 118 برلمانيًا من الدول الأعضاء في مجلس أوروبا على السماح لروسيا بإرسال وفدها إلى مجلس أوروبا ابتداءً من 25 يونيو، مما مهد الطريق لمشاركتها في اليوم التالي في انتخاب أمين عام جديد لهذه الهيئة الأوروبية .

ومن الجدير بالذكر أنه كان أن تم تجريد ممثلي موسكو من حق التصويت بعد ضم جمهورية القرم إلى روسيا عام 2014، والتي ردت بمقاطعة الجمعية، كما رفضت منذ عام 2017 دفع حصتها البالغة 33 مليون يورو من الميزانية السنوية للهيئة. وكانت روسيا هددت بالانسحاب من المجلس الأوروبي تمامًا في حال لم يسمح لها بالمشاركة في الانتخابات الأخيرة التي صادفت مرور 70 عامًا على تأسيس مجلس أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون في القارة.

وبطلب من روسيا، تبنى المجلس بندًا جديدًا في نظام الجمعية الداخلي ينص على أن “حقوق الأعضاء في التصويت والتحدث والتمثيل في الجمعية لا يمكن تعليقها أو إبطالها من خلال الطعن في صلاحيات الوفد العضو أو مراجعة صلاحياته” . وعليه، فقد أكملت روسيا في أغسطس 2019 تسديد ما تبقى من الديون المستحقة عليها من رسوم العضوية المجمدة سابقًا في مجلس أوروبا.

وقضي القرار الحكومي الروسي الصادر بهذا الشأن، بتخصيص قرابة 54.7 مليون دولار من الميزانية الفيدرالية الروسية لتحويلها إلى ميزانية مجلس أوروبا وميزانيات هيئاتها التالية: الصندوق الاحتياطي للتقاعد، والميزانية الطارئة ومجموعة “بومبيدو” “المختصة في مكافحة المخدرات، و”لجنة البندقية” للديمقراطية عن طريق القانون ومجموعة دول ضد الفساد (GRECO)، والاتفاق الجزئي المفتوح بشأن التنبؤ بالكوارث الطبيعية والتكنولوجية ومنع وقوعها، إضافة إلى الاتفاق الجزئي الموسع حول التوجهات الثقافية لمجلس أوروبا، وذلك بهدف سداد ديون روسيا خلال عامي 2017 و2018 .

  1. زيارة الرئيس بوتين إلى فرنسا:

قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة لافتة إلى فرنسا في 19 أغسطس 2019، التقى خلالها نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث تعهدا بإعطاء دفعة جديدة لمحادثات السلام مع أوكرانيا، وذلك مع تركيز الرئيس ماكرون على تأكيد انتماء روسيا الأوروبي وضرورة التقارب وتعزيز الثقة المتبادلة وبناء هيكلية أمن جديدة بين روسيا وأوروبا.

ويرى البعض أن ماكرون، المعتنق لقيم البيت الأوروبي الواحد، والطامح لدور قائد أوروبا، يعتبر إصلاح العلاقة مع روسيا مسلمة لا غنى عنها لإعادة ترتيب البيت الأوروبي، وقد شدد خلال استقباله بوتين على إيمانه بامتداد أوروبا من لشبونة البرتغالية وحتى فلاديفوستوك الروسية، ومع التأكيد المشترك على أهمية إعادة بناء العلاقات الروسية الفرنسية وتجاوز ما شابها من خلافات قوضت أسس الثقة بين البلدين .

وفي سياق توضيحه لأهمية تجاوز مسببات الخلاف في العلاقات مع روسيا، فقد شدد ماكرون على أنه “إذا نفّرت أوروبا دولة عظمى كروسيا، فهي ستدير ظهرها لأوروبا وستلتفت إلى الصين بشكل كامل، وذلك ليس في مصلحة فرنسا ولا الاتحاد الأوروبي”. وحيث كانت الحاجة إلى روسيا كعنصر توازن مهم في الشؤون الأوروبية أحد مبررات نهج ماكرون الجديد تجاه موسكو، مع إدراك حقيقة دور روسيا ومكانتها في المعادلة الدولية الحالية. ولكن رغم اتفاق ماكرون وبوتين على ضرورة صياغة علاقات بناءة بين موسكو وأوروبا، إلا أن التباين في المواقف كان واضحًا حيال ملفات أخرى، وهو ما تجلى بإعلان بوتين دعم موسكو للجيش السوري ضد المعارضين في إدلب، في حين دعا ماكرون للتقيد بالهدنة هناك .

  1. تبادل المعتقلين بين روسيا وأوكرانيا:

على الرغم من استمرار تبعات الأزمة الأوكرانية منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وعلى الرغم من عدم حل الأزمة الأوكرانية بصورة جذرية، فلم يحل ذلك دون اتفاق روسيا وأوكرانيا في عام 2019 على تبادل معتقلين بينهما، وقد أنجزتا في 7 سبتمبر أول عملية من نوعها في السنوات الأخيرة لتبادل المعتقلين لدى الطرفين بصيغة 35 شخصًا مقابل 35 شخصًا، في إجراء لاقى ترحيبًا علنيًا داخل البلدين وكذلك في العالم الغربي. وشملت عملية التبادل هذه البحّارين الأوكرانيين الأربعة والعشرين الذين كانت قد احتجزتهم روسيا منذ حادثة “كيرتش” البحرية في 25 نوفمبر 2018 . وتعليقًا على هذا التطور، اعتبرت الخارجية الروسية أن تنفيذ مثل هذه العملية بات ممكنًا بفضل “إبداء الإدارة الأوكرانية الجديدة بقيادة فولوديمير زيلينسكي موقفاً عاقلاً واستعداداً للتوافقات”. وجاءت عملية تبادل المعتقلين بالمرحلة الأولى من تنفيذ اتفاقات كييف مع موسكو حول استئناف الحوار المشترك ووقف النزاع في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، ومن المتوقع أن تُسهم تلك الخطوة أيضاً في إرساء جوّ من الثقة بين الطرفين في إطار المفاوضات الجارية بصيغة “نورماندي” .

  1. نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا:

أعلنت كل من روسيا وأوكرانيا، في 20 سبتمبر2019، أنهما أحرزتا تقدمًا نحو التوصل إلى اتفاق لنقل الغاز الطبيعي الروسي عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا. وأعلن الجانبان أنهما وضعا الإطار القانوني للاتفاق الذي يتعين الانتهاء منه بحلول نهاية العام 2019، وحيث اجتمع وزيرا الطاقة في البلدين في العاصمة البلجيكية بروكسل مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي للتباحث حول هذا الأمر.

وكانت قد انخفضت الأسعار القياسية للغاز في ظل تراجع المخاوف بشأن توقف الإمدادات عبر واحد من أهم قنوات تصدير الغاز الروسي إلى الأسواق الأوروبية، ولذلك اقترحت روسيا على الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، تمديد صلاحية اتفاقية إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية فيما بعد عام 2019 .

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التزام أوكرانيا بضوابط الطاقة الخاصة بالاتحاد الأوروبي من شأنه أن يبدد المخاطر بشأن حدوث مزيد من الاضطرابات في المستقبل، ويوفر إطارًا قانونيًا مستقرًا ومرنًا لضمان تدفق الغاز الروسي إلى الكتلة الأوروبية. وهذه القضية مهمة للاتحاد الأوروبي، حيث تعتمد 14 دولة من الاتحاد، على الأقل، على إمدادات الغاز الروسي، الذي يمر معظمه عبر أوكرانيا. وقد أضحت روسيا تحتل المرتبة الثانية في إمدادات الغاز المسال إلى أوروبا، حيث تقدّمت في عام 2019 –بعد قطر-على الجزائر ونيجيريا بحجم الإمدادات المرسلة إلى أوروبا .

أ‌-  استمرار الحذر في علاقات روسيا والاتحاد الأوروبي:

على الرغم من مؤشرات التقارب السابق الإشارة إليها، إلا أنه ثمة أسباب عدم ثقة في علاقات روسيا ودول الاتحاد الأوروبي استمرت خلال عام 2019، وهو ما يتجلى في المؤشرات الآتية:

‌أ) التحفظ على ضم روسيا لـ”مجموعة السبع”:

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موضوع ضم روسيا مجددًا إلى “مجموعة السبع” خلال قمة المجموعة التي انعقدت في مدينة “بياريتز” الفرنسية خلال الفترة من 24-26 أغسطس، وقال: “هناك أشخاص يريدون عودة روسيا، اعتقد أن ذلك سيكون مفيدًا لحل الكثير من القضايا العالمية”، بل وأكد ترامب أنه يعتزم دعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في القمة القادمة للمجموعة التي ستستضيفها بلاده، بغض النظر عن تبعات تلك الخطوة. وأيد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي موقف الرئيس ترامب، فيما أبدى بقية الزعماء الأوروبيين تحفظًا حيال المسألة، معتبرين أن الحديث عن إعادة روسيا سابق لأوانه ، حيث رفض رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، اقتراح الرئيس الأمريكي، قائلاً إن هناك أسبابًا أكثر من ذي قبل لاستبعاد موسكو من “مجموعة السبع”.

وفي السياق ذاته، رفضت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أيضًا فكرة دعوة روسيا للعودة إلى المجموعة، واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أنّه من السابق لأوانه أن تعود روسيا إلى “مجموعة السبع”، قبل أن يتم تحقيق التقدم المطلوب فيما يرتبط بتنفيذ موسكو لاتفاقيات “مينسك” للسلام في شرق أوكرانيا، حتى وإن تم تحقيق بعض التقدم في هذا الصدد. وهو الموقف ذاته الذي تبناه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ فرغم تأييده للحوار مع موسكو، ولكنه اعتبر أن عودة روسيا بدون قيد أو شرط إلى المجموعة بعد خمس سنوات من إقصائها يعني أن ما قامت به بشأن ضم شبه جزيرة القرم “لم يكن له أي تأثير” .

وحتى على الجانب الآخر، يبدو أن موافقة روسيا على الانضمام مجددًا إلى “مجموعة السبع” في ظل استمرار العقوبات الغربية ضدها ليست أمرًا محسومًا على الإطلاق، ومع تشديدات موسكو أنها لم تخسر كثيرًا من استبعادها عن هذه المجموعة، التي لم تعد منذ سنوات انعكاسًا حقيقيًا لخريطة التوازنات الاقتصادية والسياسية الدولية لتراجع أهميتها أمام “مجموعة العشرين” .

‌ب) تمديد العقوبات الأوروبية على روسيا:

خلال القمة التي انعقدت في بروكسل في يونيو 2019، مدّد الاتحاد الأوروبي لفترة جديدة تستمر 12 شهرًا، سلسلة عقوبات كان فرضها على موسكو ردًا على ضمها لشبه جزيرة القرم، وتحظر هذه العقوبات الاستثمارات في شبه الجزيرة واستيراد الاتحاد لمنتجاتها، وهي تنطبق على المواطنين الأوروبيين والشركات التي مقرها الاتحاد الأوروبي.

وأورد القرار الذي اتخذته دول الاتحاد أنه “لا يسمح لأي أوروبي أو شركة مقرها في الاتحاد بأن يتملك أملاكاً عقارية أو كيانات في القرم، وبأن يمول شركات في القرم أو يقدم خدمات إليها.. وأن الخدمات المرتبطة بالأنشطة السياحية في القرم أو سيباستوبول، وخصوصًا السفن السياحية الأوروبية لا تستطيع أن تتوقف في موانئ شبه جزيرة القرم، إلا في حالة الطوارئ. وفرضت العقوبات أيضًا قيودًا على تصدير “بعض السلع والتكنولوجيات الموجهة إلى شركات في القرم أو التي ستستخدم في القرم في مجالات النقل والمواصلات والطاقة” .

وجاء تجديد تلك العقوبات على الرغم من أن تطبيقها تدفع لخسائر أوروبية أعلى من الخسائر الروسية، فمقابل خسارات روسية منذ عام 2014 التي تقارب 50 مليار دولار، فإن الخسائر الأوروبية قاربت 240 مليار دولار، وفق تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث وسّعت موسكو إجراءات ردّها العقابي على قرار تجديد العقوبات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وكان من نتيجة العقوبات الأوروبية أن توجهت روسيا بقوة نحو الصين، حيث يزيد البلدان علاقاتهما التجارية بشكل مضطرد على حساب العلاقات القائمة مع دول الاتحاد الأوروبي .

‌ج) التأثير الروسي على المجريات الانتخابية في أوروبا:

لا تقتصر المخاوف الأوروبية من القوة الخشنة لروسيا، التي لديها من وسائل القوة الناعمة الكثير لتحقيق أهدافها، وبالتأثير على مجريات العملية الديمقراطية ذاتها في داخل الدول الأوروبية؛ إذ أن هناك اتهامات أوروبية تقول بأن روسيا، وعن طريق العملية الديمقراطية، تعمل بأدواتها المختلفة لمحاولة إيصال الموالين لها أو الذين تتوافق توجهاتهم معها إلى الحكم، وبوصولهم إليه يمكنهم حرف اتجاه دولهم إلى روسيا من جهة، والتأثير في القرار الأوروبي المشترك من جهة أخرى .

وذلك مع بروز اتجاهات موالية لروسيا تعلن عنها بعض الحكومات الجديدة في شرق أوروبا وجنوبها تعارض قرارات أوروبية ترفضها القيادة الروسية، وعلى رأسها قضايا استمرار العقوبات الاقتصادية، وتمدد الناتو شرقًا، والمساعدات المقدمة للدول المعادية لروسيا كأوكرانيا وجورجيا، والتدخل في ملفات دولية بشكل يهدد أو يناقض الخطط الروسية فيها، كما هو الحال في سوريا وليبيا. أما الاتجاهات الأكثر تلقيًا للدعم من قِبل روسيا فهي الاتجاهات القومية، وخصوصًا في عدد من دول شرق أوروبا، وكضد لسياسة التخويف من روسيا التي تتبناها بعض الأطراف في أوروبا، فإنه يتم معاداة هذه السياسة باعتبار الروس أشقاء في القومية أو العرق أو الوطن الأوروبي الكبير.

ويكفي إدراك مدى تأثير هذا الأمر إذا ما وضع في الاعتبار أن الغالبية العظمى من هذه الدول الأوروبية هي أعضاء في حلف الناتو، ومن ثم بإمكانها منع دخول أي عضو جديد إليه بممارسة حق النقض (الفيتو)، مما قد يعرقل بشدة طموحات الدول الغربية بمد قبضة الناتو إلى جنوب روسيا اللصيق، عن طريق ضم بعض الدول العازلة كأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان .

ثانيًا-استمرار القضايا الخلافية بين روسيا والولايات المتحدة

أسوة بعلاقات روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، كانت هناك محاولات لتجاوز القضايا محل الخلاف بين كل من واشنطن وموسكو، وهو ما تبدى في الانفتاح الذي أبداه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن ضم روسيا مجددًا إلى “مجموعة السبع”، وذلك بجانب اللقاءات التي جمعت بين كبار المسؤولين في البلدين، والبارز فيها هو لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين بمدينة أوساكا اليابانية، في 28 يونيو 2019، حيث بحثا عددًا من القضايا، ومنها قضايا سوريا وإيران وفنزويلا وأوكرانيا. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يعقد فيها الزعيمان اجتماعًا رسميًا وجها لوجه منذ قمة “هلسنكي” المثيرة للجدل في يوليو 2018 .

وفي السياق ذاته، فقد ترأس نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان، برفقة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولي أندريا تومسون، في يوليو 2019، وفدًا أمريكيًا ضم مسؤولين كبار من مجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع ووزارة الطاقة إلى جنيف في سويسرا للمشاركة في الحوار الأمني الاستراتيجي المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا. وقد ترأس نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف الوفد الروسي.

وجاء الحوار الأمني الاستراتيجي في سياق سلسلة من الاجتماعات التي عقدتها الولايات المتحدة مع مسؤولين روس للبناء على مناقشات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ونظيره الروسي سيرجي لافروف، خلال اجتماعهما بتاريخ 14 مايو 2019 في مدينة “سوتشي” الروسية. وناقش الوفدان السياسات الاستراتيجية الوطنية لكل منهما كسبل لتخفيف حالات سوء الفهم والمفاهيم الخاطئة بشأن مجموعة من القضايا الأمنية الرئيسية . وليُضاف إلى ما سبق تعزيز التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، بعد أن انعقدت جلسة الحوار الروسي الأمريكي بشأن مكافحة الإرهاب على مستوى المنسقين في فيينا في 9 سبتمبر، والاتفاق على عقد جلسات الحوار سنويًا .

ولكن على الرغم من مظاهر الانفتاح المشار إليها، فإنه من الناحية الواقعية، استمرت مسببات الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال العام 2019، وذلك على خلفية ثلاثة ملفات رئيسية، وهي:

الأول-الخلاف حول فنزويلا:

اتخذ الخلاف بين موسكو وواشنطن حول تطورات الوضع في فنزويلا مظاهر متعددة. فمن ناحية أولى، ومع التوتر الذي شهدته فنزويلا منذ بداية العام، إثر تنصيب رئيس الجمعية الوطنية خوان جوايدو، نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، فقد سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالاعتراف بزعيم المعارضة رئيسًا انتقاليًا، محاولاً حشد عدد من الدول لدعمه، فيما أيدت روسيا مع دول أخرى شرعية الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، الذي أدى اليمين الدستورية رئيسًا لفترة جديدة من 6 سنوات، وأعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، متهمًا إياها بتدبير محاولة انقلاب ضده .

واحتدم الخلاف الأمريكي-الروسي بعد سعي واشنطن إلى دفع مجلس الأمن في يناير 2019 للدعوة إلى إجراء انتخابات رسمية في كاراكاس، بإشراف مراقبين دوليين، وهو الأمر الذي دفع موسكو لطرح مشروع قرار معارض. ونص مشروع القرار الأمريكي، على أن مجلس الأمن يبدي “تأييده الكامل للجمعية الوطنية باعتبارها المؤسسة الوحيدة المنتخبة ديمقراطيًا في فنزويلا”، كما يبدي المجلس، وفق النص الأمريكي، “قلقه العميق إزاء العنف والإفراط في استخدام القوة من جانب قوات الأمن الفنزويلية ضد المتظاهرين السلميين غير المسلحين”.

ودعا كذلك مشروع القرار الأمريكي إلى تنظيم انتخابات رئاسية بفنزويلا وتيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها. لكن موسكو التي رفضت هذا النص قدمت مقترحاً بديلاً، بعد أن فشلت مع الصين وغينيا الاستوائية وجنوب أفريقيا، في منع المجلس من مناقشة قضية فنزويلا، وعبّر المشروع الروسي عن “القلق بشأن محاولات التدخل في شؤون تأتي بالأساس ضمن الولاية القضائية المحلية”، كما عبر عن “القلق بشأن تهديدات باستخدام القوة ضد وحدة أراضي (فنزويلا) واستقلالها السياسي” .

وتصاعدت حدة الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة مجدداً في ابريل 2019، إثر إعلان الرئيس مادورو، عن “إفشال” انتفاضة عسكرية نفذتها مجموعة صغيرة من العسكريين المؤيدين لجوايدو. وقد اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، روسيا، بإقناع مادورو البقاء في السلطة بدلاً من الهروب إلى كوبا، مع عودة الولايات المتحدة للتلويح مجددًا بخيار التدخل العسكري في أزمة فنزويلا، عندما صرح بومبيو بأن العمل العسكري “ممكن” و”مطروح على الطاولة” إذا كان هذا هو المطلوب، وهي التصريحات التي طالما حذرت منها روسيا، لتعارضها والمواثيق الدولية التي تمنع مثل هذه التهديدات التي تنتقص من سيادة الدول .

ومن ناحية ثانية: دخلت الولايات المتحدة وروسيا في سجال عنيف على خلفية إرسال موسكو خبراء عسكريين دعمًا لحكومة مادورو، وهو ما اعتبره زعيم المعارضة الفنزويلي فيه معارضة للدستور لتوقيع الاتفاق خارج البرلمان، في الوقت الذي تؤكد فيه واشنطن على أهمية فنزويلا للمصالح الأمريكية، مع استخدام عقيدة “مونرو” التي تؤكد على عدم التسامح مع أي تدخل بالجزء الغربي من الكرة الأرضية الذي يعتبر مساحة تأثير أمريكي.

ولكن أعلنت الخارجية الروسية أن قرار موسكو إرسال خبراء عسكريين إلى كراكاس يراعي القانون الفنزويلي، ويأتي في سياق تطوير موسكو تعاونها مع فنزويلا، وذلك بعد أن وصلت طائرتان روسيتان تنقلان نحو مائة عسكري و35 طناً من العتاد إلى كراكاس في شهر مارس 2019، وفي إطار التعاون التقني والعسكري الروسي القائم مع فنزويلا .

بل وربما من المحتمل أن يكون قد تم إرسال أفراد عسكريين روس إلى فنزويلا لضمان بقاء صواريخ أرض- جو المتطورة من طراز “اس-300″ رادعًا موثوقًا به لأي عمل عسكري أمريكي ضد حكومة الرئيس مادورو”. ونقلت إذاعة “فويس أوف أمريكا” عن محللين متخصصين في شؤون أمريكا اللاتينية، قولهم: “إن الوحدة العسكرية الروسية، التي قيل إنها وصلت في أواخر مارس، تضم خبراء في الدفاع الجوي يتمتعون بالمهارات اللازمة لضمان إمكانية بقاء الصواريخ التي تعمل منذ عقد على الرغم من البنية التحتية المتهالكة في فنزويلا وأزمات الطاقة المتكررة بها” .

وكذلك كشفت شركة “روسوبورون ايكسبورت” الروسية المختصة ببيع الأسلحة، أن روسيا افتتحت مركزًا للتدريب العسكري خاص بطياري المروحيات العسكرية في فنزويلا. وسيشمل التدريب، بحسب المراقبين، التدريب على طائرات الهليكوبتر العسكرية الروسية من طرازات “إم-17 إف5″  و”إم 35 إم” و”إم-26 تي” والقريبة من طراز مروحية “الأباتشي” الأمريكية. وبالرغم من أن التدريب العسكري الروسي في فنزويلا يؤجج غضب الولايات المتحدة، يرى المقربون من حكومة مادورو، أن التحالف العسكري بين روسيا وفنزويلا، هو تحالف مشروع في ظل التهديدات الأمريكية، ولاسيما أن دولة كولومبيا على سبيل المثال تملك عشرة قواعد عسكرية أمريكية، وكل جزر الكاريبي بها قواعد عسكرية أمريكية .

ومن ناحية ثالثة: فقد اعتبرت موسكو أن رغبة واشنطن في الهيمنة على نفط فنزويلا الرخيص، وتصدير زيتها الصخري الباهظ الكلفة، هو السبب وراء هجمتها الحالية ضد كاراكاس. ذلك أن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة هو أن تصبح رائدة في صادرات النفط العالمية في السنوات القليلة المقبلة، وقد دفع الصراع الأمريكي-الروسي شركة النفط الحكومية الفنزويلية “بي دي في إس إيه” إلى طلبها من العملاء بمشروعاتها النفطية المشتركة إيداع عائدات المبيعات في حساب فتحته بالآونة الأخيرة في “غازبروم بنك” الروسي.

وقد جاءت هذه الخطوة من جانب الشركة النفطية الحكومية، عقب العقوبات المالية الصارمة الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة في 28 يناير، واستهدفت منع الرئيس مادورو من الوصول إلى عائدات البلاد النفطية، وهي العقوبات التي ترفضها روسيا التي تُعدّ حليفاً قديماً لفنزويلا، تقدم قروضاً لها بمليارات الدولارات وتدعم صناعة النفط فيها .

الثاني-استمرار العقوبات الأمريكية على روسيا:

كان استمرار التوتر والخلاف في علاقات موسكو وواشنطن، مرتبطًا باستمرار العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، وتلك العقوبات كانت حول القضايا التالية:

ب‌) استمرار الأزمة الأوكرانية:

أعلنت كل من وزارة الخزانة الأمريكية، والخارجية الكندية، والاتحاد الأوروبي، في منتصف مارس 2019، وفي بيانات منفصلة، توسيع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب أزمة مضيق “كيرتش” والأزمة الأوكرانية بشكل عام. وفرضت الولايات المتحدة عقوباتها على 6 مسؤولين و8 شركات روسية، بينها شركات مسجلة في القرم، وطالت العقوبات نائب رئيس هيئة حرس الحدود الروسي “جينادى ميدفيديف”، و3 مسؤولين في جهاز الأمن الفيدرالي، تتهمهم واشنطن بتنظيم “الاعتداء على السفن الأوكرانية وطواقمها”، وشملت العقوبات أيضاً مسؤولين اثنين في لجنة الانتخابات بـ”جمهورية دونيتسك الشعبية” المعلنة من طرف واحد شرقي أوكرانيا .

غير أن تلك العقوبات الأمريكية لم تحل-على الجانب الآخر-دون توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرسومًا يقضي بتسهيل عملية الحصول على الجنسية الروسية للمقيمين في شرق أوكرانيا، وذلك بعد أن أقر الرئيس بوتين في 24 ابريل 2019، إجراءات تسهل منح الجنسية الروسية لسكان المناطق الانفصالية في أوكرانيا. وبموجب هذا المرسوم -الذي دخل حيّز التنفيذ فوراً-يسمح إجراء مبسط لسكان مناطق دونيتسك ولوجانسك الأوكرانية، بحيازة جواز سفر روسي “في غضون ثلاثة أشهر” من تقديم طلب.

وقد اعتبرت واشنطن من ناحيتها، أن هذا القرار الروسي يخلق عقبة خطيرة أمام تنفيذ اتفاقيات “مينسك” وإعادة دمج منطقة دونباس؛ حيث تدعو اتفاقيات “مينسك”، والموقعة من روسيا، إلى استعادة السيطرة الكاملة للحكومة الأوكرانية على شرق أوكرانيا، في الوقت الذي وصف فيه بوتين عملية تجنيس سكان شرق أوكرانيا بأنه “عمل إنساني” للمتضررين في مناطق الحرب .

ت‌)  قضية الجاسوس “سكريبال”:

فرضت وزارة الخارجية الأمريكية، في الأول من أغسطس 2019، حزمة ثانية من العقوبات على روسيا على خلفية قضية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال، في بريطانيا عام 2018، وتم فرض هذه العقوبات -التي دخلت حيز التنفيذ في 26 أغسطس بعد إبلاغ الكونجرس-بموجب قانون أمريكي يعود إلى العام 1991 ويتعلق بالقضاء على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.

وكانت واشنطن فرضت مجموعة أولى من العقوبات على روسيا في أغسطس 2018، تضمنت فرض حظر على توريد الأجهزة الإلكترونية والمنتجات ذات الاستخدام المزدوج إلى موسكو، بعدما خلصت إلى أنها استخدمت غاز أعصاب ضد سكريبال وابنته في مارس 2018 في مدينة “سالزبري” في بريطانيا، في أول هجوم بأسلحة كيميائية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهو الحادث الذي تنفي روسيا أي علاقة لها به، مؤكدة أنها تخلصت من كل الأسلحة الكيميائية لديها تحت إشراف منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية .

وبموجب العقوبات الجديدة، تعارض واشنطن تمديد أجل سداد الديون الروسية، أو تقديم المساعدات الفنية أو المالية لروسيا من جانب المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فضلاً عن إضافة قيود على تراخيص التصدير لقائمة السلع والتكنولوجيا التي تتحكم فيها وزارة التجارة. كما تمنع العقوبات البنوك الأمريكية من منح الحكومة الروسية معظم أنواع القروض، ما عدا تلك المتعلقة بشراء المواد الغذائية وغيرها من المنتجات الزراعية. وتحظر العقوبات كذلك على البنوك الأمريكية المشاركة في الطرح العام الأولي لسندات روسيا السيادية غير المقيدة بالروبل وإقراضها للحكومة الروسية بغير الروبل.

    ولكن مع ملاحظة أن العقوبات الجديدة على الديون السيادية الروسية لا تطال الشركات المملوكة للحكومة الروسية، كما أنها لا تمنع البنوك الأمريكية من المشاركة في تداول السندات السيادية الروسية في السوق الثانوية، إذ أنها استهدفت الطرح الأولي فقط، كما أن الإدارة الأمريكية لم تتخذ الإجراءات الأكثر صرامة التي كانت تسمح في إطار القانون مثل خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية وحظر رحلات شركة “إيرفلوت” الروسية إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن تقليص حجم جميع الصادرات والواردات بين البلدين بشكل كبير .

من جهتها، عبرت روسيا عن أسفها للعقوبات الأمريكية الجديدة التي فرضتها واشنطن، وقالت إنها ستلحق الضرر بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وتصف العقوبات الأمريكية على خلفية هذه القضية بأنها غير قانونية وغير مقبولة على الإطلاق، واعتبرها رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف بمثابة إعلان حرب اقتصادية على بلاده. وذلك فيما قلل الخبراء من شأن تأثير تلك العقوبات على الاقتصاد الروسي، مستبعدين أن تتسبب في صعوبات كبيرة للوزارة المالية الروسية عند طرح السندات السيادية، ومشددين على أن دخول العقوبات حيز التنفيذ لن يكون له تداعيات سلبية على سوق الأسهم الروسية .

ج‌) الاتهامات بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية:

أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية في 30 سبتمبر2019، مواطنين روسيين وثلاث شركات في قائمتها للعقوبات، بتهمة الضلوع في محاولات التدخل المزعومة بانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016، ومع الإشارة إلى أن الشركات المسجلة في جزر السيشل، توجه إليها اتهامات أمريكية بأنها على صلة بـ”وكالة أبحاث الإنترنت”، التي يفترض أنها تتبع لرجل الأعمال الروسي يفجيني بريجوجين، المشمول بالعقوبات الأمريكية والمرتبط بالحكومة الروسية.

وكانت هذه العقوبات هي الأولى في إطار مرسوم أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سبتمبر 2018، ويتيح فرض عقوبات في حال أجريت أي محاولة للتأثير على العملية الانتخابية. وكان الاتهام وجه إلى الروسي بريجوجين في إطار تحقيق واسع يقوم به المدعي العام الأمريكي روبرت مولر، حول تدخل محتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2016 لمساعدة ترامب على الوصول إلى البيت الأبيض، ومن خلال نشر الوكالة التي يرأسها معلومات مغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات وصفحات مزيفة بهدف التأثير على آراء الناخبين الأمريكيين، وذلك بحسب الاتهامات الأمريكية .

وقد أعربت روسيا عن دهشتها لفرض العقوبات الأمريكية، وجاء في بيان للخارجية الروسية ما نصه: “نعرب عن دهشتنا الشديدة إزاء الحزمة الجديدة من العقوبات، التي فرضتها الإدارة الأمريكية ضد روسيا.. فقد تم فرضها بشكل تعسفى ضد مواطنين روس، ومواطن تايواني، ومنظمات تجارية مسجلة في سيشيل وجمهورية التشيك، وعدد من الدول الأخرى، وضد عدد من الطائرات والسفن.. مما جعل البيروقراطيين في واشنطن يضعونهم جميعًا في نفس القائمة”، متسائلة عن ماهية العلاقة بين الطائرات والسفن البخارية التي يُزعم أن لها علاقة بالتدخل في الانتخابات الأمريكية .

د‌) الدعم الروسي لنظام “الأسد” في سوريا:

نتيجة لدعمها المتواصل لنظام بشار الأسد في سوريا، تواجه روسيا سلسلة متوالية من العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد شخصيات وشركات كبيرة فيها. وقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات جديدة ضد شخصيات وكيانات روسية، لمشاركتها في تزويد الوقود للطائرات المُشارِكة في العمليات العسكرية إلى جانب نظام بشار الأسد في سوريا، وطالت العقوبات التي تم فرضها في 26 سبتمبر2019، مؤسسة واحدة وثلاثة أشخاص وثلاث سفن أسهمت بتزويد وقود الطائرات الروسية في سوريا.

على الطرف المقابل، اعتبرت الخارجية الروسية أن العقوبات الأمريكية استمرار للسياسة الأمريكية القديمة التي تستند إلى العقوبات من جانب واحد والتي نعتبرها غير مقبولة على الإطلاق” .

الثالث-الخلاف النفطي مع الولايات المتحدة:

في سياق محاولات الولايات المتحدة المستمرة لتوجيه أوروبا بعيدًا عن واردات الغاز من روسيا، وتوجيهها نحو زيادة الطلب على الغاز الطبيعي الأمريكي المسال، وانتقاد الرئيس دونالد ترامب السياسة الأوروبية لكونها تعتمد بشكل مفرط على الغاز الروسي، ظهرت سلسلة من الصراعات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سياسة “هيمنة الطاقة”، خاصة مع استئناف العمل بخط أنابيب “نورد ستريم 2” الروسي الذي وصفه ترامب بأنه “خطوة جذرية إلى الوراء لأمن الطاقة الأوروبي ومصالح الولايات المتحدة”.

وقامت الولايات المتحدة بالضغط على روسيا من خلال التلويح بفرض عقوبات عليها وعلى حلفائها وخصوصًا ألمانيا، لإيقاف خط أنابيب “نورد ستريم 2″، زاعمة أن هذا المشروع من شأنه أن يدفع الغاز الروسي إلى عمق أوروبا الغربية ويمكّن روسيا من فرض نفوذ أكبر على السياسة الخارجية الأوروبية، وهو ما يمكنها من استخدام الطاقة كأداة للضغط على أي دولة .

وفي المقابل، فقد انتقدت روسيا محاولات الولايات المتحدة لإفشال مشروع مد خط أنابيب نقل الغاز إلى أوروبا، وفي سياق تزايد المنافسة والصراع بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن إمدادات الغاز الطبيعي؛ فبالنظر إلى الاتحاد الأوروبي كقوة عظمى مكونة من 28 دولة بإجمالي عدد سكان يبلغ نحو 512 مليون نسمة، يعد الاتحاد الأوروبي سوقًا محل نظر لأكبر مصدري الطاقة في العالم، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي.

وجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة بدأت الظهور كمصدر للغاز في عام 2017 لأول مرة، وارتفعت صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بنحو 58% في النصف الأول من عام 2018 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2017. وخلال الأشهر الأولى من عام 2019، بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الأمريكي نحو 13% لتصبح بذلك ثالث أكبر مورد للاتحاد الأوروبي. ولكن بالرغم من الطفرة التصديرية للغاز التي حققتها الولايات المتحدة في فترة وجيزة، لاتزال روسيا أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي .

وتبلغ القدرة الإنتاجية السنوية لخط “نورد ستريم 2” نحو 55 مليار متر بما يسهم في إمداد الغاز لنحو 26 مليون أسرة أوروبية، ويقدر الخبراء أن يتجاوز الطلب الأوروبي على الغاز الروسي 50%، في حالة بدء تشغيل “نورد ستريم 2”. ولا يعني إنشاء خط الأنابيب نهاية العبور عبر أوكرانيا، حيث يبلغ حجم الغار العابر أوكرانيا نحو 93 مليار متر مكعب سنوياً، في حين تبلغ قدرة خط “نورد ستريم 2” المتوقعة 55 مليار متر مكعب سنوياً، مما يؤكد استمرار عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا.

هذا، وتنقسم اتجاهات الدول الأوروبية إزاء خط “نورد ستريم 2″؛ ففي حين تساند ألمانيا المشروع، تعارض كل من بولندا والدنمارك وأوكرانيا المشروع، بحجة أنه سيزيد من اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، مع تأكيدهم أن أوروبا يجب أن تركز على تنويع موارد الطاقة لديها، ويتماشى هذا الاتجاه مع الرأي الأمريكي .

ثالثًا-العلاقات الروسية مع الغرب والولايات المتحدة.. لا جديد في المستقبل:

في ضوء المسار الذي اتخذته علاقات روسيا والغرب خلال العام 2019، وملاحظة وجود محاولات للانفتاح مجدداً في علاقات الطرفين، فإن مستقبل العلاقة بينهما يتجه على الأغلب نحو التحسن وتجاوز تبعات الأزمة الأوكرانية، وخصوصاً بسبب وجود مصالح اقتصادية مشتركة بين معظم الدول الأوروبية وروسيا، تتجسد بصفة رئيسية في تجديد اتفاقات نقل الغاز الروسي إلى أوروبا وعبر الأراضي الأوكرانية ذاتها، مع المخاوف من تبعات تقارب روسيا والصين في ضوء كون روسيا من أكبر الشركاء التجاريين لدول الاتحاد.

وصحيح أن ملف النفط والغاز على الجانب الآخر يعد سببًا للتنافس والخلاف بين روسيا والولايات المتحدة، غير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتبنى نهجًا للحوار والتنسيق مع موسكو، حتى أنه كان أبرز الداعمين لإعادتها مجددًا إلى “مجموعة السبع”، ومن منطلق إدراك أهمية دور روسيا في التوصل إلى تسويات وحلول للقضايا الخلافية والمؤثرة، سواء في علاقات الطرفين، أو فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية محل الجدال. ولكن مع ذلك فإن التحسن التام في علاقات روسيا والدول الغربية لايزال رهنًا بمدى التقدم الذي يمكن إحرازه بشأن القضايا الخلافية بينهما.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*