وكالة أنباء روسيا الإخبارية
تأليف: جي ديبورين
إعداد: الجنرال زوبكوف
تعريب وتعليق: خيري حمّاد
كتب : أحمد بهاء الدين شعبان
يرصد مُعَرَّب هذا الكتاب فى مقدمته أفتقار المكتبة العربية لدراسات وكتب تعرض وجهة النظر السوفيتية فى الحرب العالمية الثانية، فـ ”جميع الكتب التى تُرجمت إلى العربية عن هذا الموضوع تعرض وجهات نظر غربية مختلفة، منها الإنجليزية والأمريكية والألمانية والفرنسية والإيطالية“، لاسيما وأن هذه الكتب، كما يقول : ” لم تعكس الدور العظيم، الذى مثّله الاتحاد السوفيتي وجيشة وشعبه فى الحرب العالمية الثانية وفي القضاء على القوى الفاشية التى تزعمتها ألمانيا الهتلرية“، ومن هنا تبرز أهمية هذا الكتاب على الصعيد الثقافى العربى، فهو أول كتاب يعكس وجهة النظر السوفيتية فى الحرب العالمية الثانية، وهى ” وجهة نظر فى منتهى الأهمية، لأنها تمثل الدور الضخم والعظيم، الذى أداه الاتحاد السوفيتي فى كسب هذه الحرب، وإنقاذ الجنس البشري من ويلاتها، كما تعرض الصورة الصحيحة لهذا الدور الذى حاول المؤرخون الغربيون، وكُتّاب اليوميات والمُذكرات، التقليل من قيمتها، انسجاماً منهم مع اتجاهاتهم الأيديولوجية، وونزعاتهم البورجوازية المعادية الاشتراكية “.
*******
يشرح الكتاب الأسباب العميقة التى أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، وهى أسباب لا تخرج عن عاملين أساسيين، كما يُوضح المؤلف، أولهما: التناقضات الضخمة التى تقوم بين الدول الإمبرياليّة فى العالم اصطراعاً منها على المصالح الاحتكارية، والأسواق الاستعماريّة، والموارد الأوّليّة، وثانيهما: الرغبة العارمة، لدى هذه الدول الإمبريالية التى تمُثل النظام الرأسمالى السائر فى طريق الانحلال والانهيار، للقضاء على النظام الاشتراكي، (الذى كان قائماً آنذاك)، والذى يُمثل الخطر الأكبر الُمهدِّد للاحتكارات العالميّة وأهدافها الإمبرياليّة، ومطامعها التوسعيّة والاستعماريّة، ولعل هذا يُفسر لنا المساعى الخبيثة المحمومة التى قامت بها القوى الإمبرياليّة العالميّة، لبعث القوة العسكريّة الألمانيّة بعد الحرب العالمية الأولى ودعمها، وإيصال الحزب النازي إلى الحكم، وذلك لاستخدام ألمانيا الفاشية وقوّتها العسكريّة فى محاربة الاتحاد السوفيتي التى رأت فيه الإمبرياليّة الخطر الأول الذى يُهددها. لكن التناقضات الإمبرياليّة، بين ألمانيا الفاشيّة التى يرجع الفضل فى خلقها وتقويتها إلى الاحتكارات الأمريكيّة والبريطانيّة والفرنسيّة، وبين الدول الغربيّة، ما لبثت أن طفت على السطح، ووجهت العدوان الألماني الذي جاء نتيجة طبيعية لسياسات الغرب، إلى الدول الغربيّة نفسها.
ويُرَكِّزُ الكتاب أول ما يُرَكِّزُ على الدور العظيم الذي مثّله الاتحاد السوفيتي في الحرب العالميّة الثانية، أو ”الحرب الوطنية العظمي“ كما كان يسميها الاتحاد السوفيتي السابق، وتُسميها الدولة الروسيّة الآن، مؤكداً على أن الفضل الأول والأكبر فى تحطيم القوة العسكريّة الألمانيّة الرهيبة، التي تمكَّنت من اجتياح القارة الأوروبيّة كلها والسيطرة عليها، يعود إلى الاتحاد السوفيتي، وجيشة وإلى شعبه وإلى نظامة الاشتراكي الذى مكَّنه من الصمود أمام التفوق الذى حقّقته ألمانيا فى بداية الحرب، فى الإنتاج، وميادين الإعداد والتسليح، وهو هنا، كما يذكر المُعَرِّبُ: ” يرد على المؤلفات الغربيّة البرجوازيّة، التى خرجت عن الحدود الموضوعيّة وحاولت التقليل من أهمية الدور العظيم الذى قام به الاتحاد السوفيتي فى تحقيق النصر النهائى، لا على ألمانيا وحسب، بل وعلى اليابان أيضاً “.
فالكتاب يعرض، على سبيل المثال، معركة ستالينجراد عرضاً عسكرياً رائعاً، ويُبيِّنُ أن هذا المعركة التاريخية هى التى قلبت موازين الحرب وحوّلتها لمصلحة التحالف المناوئ للفاشية.
فمنذ اللحظة التى مُنى بها الجيش الألمانى بهزيمته التاريخية أمام صمود هذه المدينة الجبارة، والتى أفقدته مئات الألوف من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى نحو أربعمائه ألف وقعوا فى أسر الجيش السوفيتى، تحوّل سير الحرب لمصلحة الجيش الأحمر.
*******
كذلك فإن عرض المؤلف الشامل لمعركتى موسكو وليننجراد، ولمعارك الدون والقوقاز، والفسنولا، وبوادبست، وبرلين، لا يقل في شموله واستناده إلى الحقائق العسكرية عن عرضه لمعركة ستالينجراد، فقد كانت هزيمة الألمان أمام موسكو فى الشتاء الأول للحرب الألمانية ـ السوفيتية نقطة التحوّل فى أوضاع الحرب وظروفها، إذ حطمت المخططات التي كانت القيادة العليا الألمانيّة قد وضعتها لإلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفيتي في غضون بضعة أسابيع.
*******
ومن أهم ما عنى به الكتاب والمؤلف، كما يوضح المُعَرِّبُ إبراز دور الشعب في هزيمة المحور، لا في أوروبا وحدها، بل وفى آسيا أيضاً. فلولا المقاومة الجبّارة التى أبدتها شعوب الاتحاد السوفيتي، سواء في جبهات القتال، أو فى المؤخرة، لما تمكن الجيش السوفيتي من تحقيق انتصاراته العظيمة، بعد أن فقد جزءًا كبيراً من أراضيه ومناطقه الصناعية وموارده الأوّليّة. ولا شك في أن الأرقام والدراسات التى ساقها المؤلف عن تطور الإنتاج الحربي السوفيتي إبّان سني الحرب، تقيم الدليل على أن الجهد الجبار الذي بذله الشعب السوفيتى، كان له الفضل الأكبر في تحقيق تلك الانتصارات.
ولا ينسى المؤلف ـ بموضوعيته وصدق رؤيته ـ أن يؤكد أيضاً على دور الشعوب في النضال الجبّار الذي خاضته أوروبا ضد الاحتلال النازي، والذي استنزف الكثير من قوى الألمان، وأضعف قدراتهم العسكريّة فى جبهات القتال الفعليّة، كما يعرض الكتاب بالكثير من الإسهاب دور حركات المقاومة فى جميع البلاد الأوروبية المختلفة، كفرنسا وإيطاليا ويوغوسلافيا واليونان وبولنده وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا والمجر، بل وحتى ألمانيا نفسها.
كما يُلقى الكتاب ضوءًا واجباً على الدور الكبير، والتضحيات الجسيمة التى قدمها الشعب الصينى وجيش تحريره ضد الغزاة اليابانيين، قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، والذى أسقط فيها الشعب الصينى وجيشه أكثر من مليون قتيل من جنود الجيش اليابانى، كما أدى هذا الصراع إلى استنزاف جانباً مهما من القدرة اليابانيّة العسكريّة، ولولا هذا الأمر لما كان من السهل تحقيق النصر السريع على الإمبرياليّة اليابانيّة، بعد هزيمة الهتلرية فى أوروبا، ” وإن كانت حتمية التاريخ، ومنطق القوانين الموضوعيّة، يحتمان هزيمة تلك الإمبرياليّة فى النهاية “ .
ومن أهم “الأسرار” التى يكشف الكاتب عنها، فيما يخص وفائع وتطورات هذا الصراع الكونى، تلك الاتصالات السرّية التى ظلت دائرة طيلة زمن الحرب، وحتى نهايتها، بين القيادة النازيّة من جهة، وبين الدوائر الحاكمة فى بريطانيا والولايات المتحدة من الجهة الأخرى، للحفاظ على القوة العسكرية الألمانيّة وتوجيتها إلى الشرق لمحاربة الاتحاد السوفيتي، وكانت هذه الاتصالات تتم بطرقٍ شتّى ووسائل مختلفة، فبعضها يدور عن طريق سويسرا أو الفاتيكان أو مدريد أو لشبونة أو دبلن أو ستوكهولم من ”العواصم المُحايدة“، والبعض الآخر عن طريق مبعوثين أو رُسل أو وسطاء، من أمثال اللين دالاس، والكونت برنادوت، والكردينال سيلمان، والأمير هو هينلوهى، وغيرهم. ويثبت المؤلف أن هذه الاتصالات الخفيّة، والهادفة إلى إنهاء الحرب بين ألمانيا والدول الغربيّة ” إنما كانت ترمى إلى توجيه القوة العسكريّة الألمانيّة نحو الاتحاد السوفيتي لضربه والقضاء عليه، بعد استنزاف تلك القوة الضاربة نفسها، مما يُخلى الجو العالمي للاحتكارات الغربية”.
يتضمن الكتاب الذى يقع فى أكثر من 550 صفحة من الحجم الكبير 25 فصلاً موزعة على خمسة أقسام، إضافةً للخاتمة، وعناوين هذه الفصول هى :
1 – مقدمات الحرب – المعتدون وأنصارهم – صفقة مونيخ وذيولها .
2 – الحرب الزائفة ـ انهيار بولنده العسكرية ـ مأساة فرنسا ـ بعد استسلام فرنسا.
3 _ امتداد العدوان الفاشي ـ موازنه القوى ـ الهجوم النازى ـ معركة موسكو ـ نشوب الحرب في المحيط الهادي.
4 _ انعكاس التيار ـ نصر الفولجا ـ الصراع على أفريقيا الشمالية ـ معركة انتفاخ كورسك ـ مؤتمر طهران.
5 _ الانتصارات العظيمة ـ هجوم عام 1944 ـ نزول الحلفاء في فرنسا ـ الجيش السوفيتي يُحرر أوروبا ـ مؤتمر القرم ـ عملية برلين واستسلام ألمانيا ـ مؤتمر سان فرانسيسكو وبوتسدام ـ استسلام اليابان ونهاية الحرب.
*******
ويختم المؤلف الكتاب بـ ”خلاصة“ يكشف فيها الأفكار الرئيسية لكتابه، وأهمها أنه بينما كان الإمبرياليون فى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا يرمون إلى توحيد العالم الرأسمالى ضد الاتحاد السوفيتى عن طريق اتفاق مع ألمانيا، فإن الإمبرياليين الألمان كانوا ينشدون مثل هذه الوحدة عن طريق إخضاع البلاد الرأسمالية الأخرى لإرادتهم، وكان هذا هو الشكل الذي طفت فيه التناقضات الإمبرياليّة إلى السطح، وقسَّمت البلاد والرأسمالية إلى مجموعات مختلفة.
لكن هذا المخطط لشن ”حرب صليبية “ ضد الاتحاد السوفيتي، كما يشرح المؤلف في مُختتم كتابه، تعرض للانهيار، ومثّلت التناقضات الإمبرياليّة وكفاح الجماهير عوامل وضعية أدركها الاتحاد السوفيتي، واستخدمها في سياسته الخارجيّة، مما خلق تحالفاً ضخماً ضد الفاشيّة أدى وجوده إلى تمهيد الطريق لتحقيق النصر على ألمانيا.
فتاريخ الحرب المناهضة للفاشيّة، كما يقول المؤلف في خلاصة كتابة ” ليس أولاً وآخراً إلّا تاريخ تلك الأمم التى حاربت من أجل تحرّرها وحققته. إنه تاريخ تلك الأمم التى أظهرت أكبر قدر من التصميم، وثبات العزيمة والروح، والبسالة والبطولة، فى المعركة ضد أولئك الذين يطمعون فى السيطرة على العالم “.
وهى دروس، فى محملها، نحن أحوج ما نكون لاستيعابها وتمعُّن مضمونها، خاصةً وأن بلادنا، ودول المنطقة جميعها، وقضية أُمتنا المركزية، (فلسطين) ، تتعرض لمخاطر جمّة، وتواجه تهديدات مستمرة، وتصطدم بتحديات هائلة، تستوجب ضم الصف، واجتماع الإرادة، والاستفادة من خبرات الشعوب فى معاركها المصيرية: كيف واجهت العدوان، وأى الطرق استخدمها لهزيمته!