مقر نقابة الصحفيين المصرية وسط القاهرة

جدل في مصر حول حرية الصحافة وحبس الصحافيين

حسمت النقابية والكاتبة الصحافية أمينة شفيق الجدل حول العلاقة المتأزمة منذ نحو ستة أشهر بين نقابة الصحافيين من جهة، والحكومة المصرية من جهة أخرى.

كان ذلك، حين أكدت في كلمتها أمام الاجتماع المفتوح الذي عقدته نقابة الصحافيين أمس، الأربعاء 23/11/2016، لبحث تداعيات حكم حبس نقيب الصحافيين واثنين من قيادات النقابة، أن ”نقابة الصحفيين جزء من مؤسسات الدولة، التي لابد أن تعي ذلك“؛ موضحة أن ”من الطبيعي أن يحدث احتكاك أو اختلاف، لكن يجب أن تحافظ الدولة على وحدة وتماسك مؤسساتها“.

هذا المعيار الذي أطلقته النقابية الكبيرة، التي تبوأت في السابق موقع السكرتير العام لنقابة الصحافيين، كشف عن تحول كبير في لغة الخطاب النقابي في التعاطي مع مؤسسات الدولة، وذلك خلافا لما حدث من صدام حاد بين النقابة ووزارة الداخلية المصرية في أعقاب تظاهرات الخامس عشر من أبريل/نيسان الماضي، على خلفية الاحتجاجات التي انطلقت رفضا لتوقيع اتفاقية تيران وصنافير بين الحكومتين المصرية والسعودية.

وهو التحول الذي عبر عنه يحيى قلاش نقيب الصحافيين خلال كلمته أمام المشاركين في اللقاء المفتوح، حين طلب من الحضور الكف عن ترديد الهتافات وإطلاق الشعارات التي تخرج عن مضمون جدول أعمال اللقاء؛ مهددا بإلغاء الاجتماع في حال الاستمرار على هذا النهج، في إشارة واضحة إلى رفضه استخدام القضية محل الخلاف في تصفية بعضٍ حساباتهم السياسية مع الدولة المصرية، بل ألمح إلى أكثر من ذلك، حين ندد في كلمته بالشعارات التي أطلقت خلال الأيام الماضية على سلم نقابة الصحافيين، والتي تعرض فيها المحتجون للرئيس عبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية والشرطة المصرية، بسلسلة من الاتهامات البعيدة كل البعد عن موضوع الأزمة التي تشهدها نقابة الصحافيين.

وقد كان الحدث الأبرز في اجتماع الصحافيين المفتوح، هو وضع الصحافيين نعشا رمزيا على سلالم النقابة، وتدوينهم عليه ”حرية الصحافة“ ووقوفهم دقيقة حدادا للتضامن مع نقيب الصحافيين يحيى قلاش وعضوي المجلس، اللذين صدر حكم بحبسهما في القضية نفسها. فيما ردد عدد من المشاركين هتافات، منها: ”عاش نضال الصحفيين، عاشت وحدة الصحفيين“. غير أن اللافت للنظر أنه لم تشارك سوى أعداد محدودة للغاية، من مجمل نحو عشرة آلاف عضو عامل بنقابة الصحافيين، وذلك على نقيض الحشود الغفيرة من الصحافيين والتي ضاقت بها النقابة خلال الاحتجاجات التي جرت نهاية إبريل/نيسان الماضي.

وإن هذا التراجع في الحشود الصحافية المتضامنة مع النقيب وعضوي المجلس، يعود بشكل أساس إلى طبيعة القضية التي صدرت بشأنها أحكام الحبس الأخيرة، حيث جرت محاكمة النقيب والصحافيَيْنِ على خلفية اتهامهم بإيواء اثنين من المطلوبين على ذمة التظاهرات التي شهدها محيط نقابة الصحافيين نهاية أبريل/نيسان الماضي، ولم يكن للقضية أية علاقة بقضايا حرية الرأي، التي تشكل حدا فاصلا في انتفاضات الصحافيين دفاعا عن حريتهم وآرائهم.

ولعل ذلك هو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حواره مع قناة ”آر تي بي“ البرتغالية، على هامش زيارته إلى البرتغال، حين أوضح أن القضية التي يتهم فيها نقيب الصحافيين يحيى قلاش تعد ”قضية جنائية“ بتهمة إخفاء مشتبه فيهما داخل مقر نقابة الصحافيين، وبالمخالفة للقانون؛ مشددا على أنه لا يحاكم لأنه صحافي في قضية رأي، وأنه لا يتم محاسبة إنسان في مصر على رأيه، كما لا يتم مصادرة أية آراء.

وأكد السيسي في حواره أن مصر تقبل حرية التعبير، وأن الإعلام والصحافة المصريين يتحدثان كما يشاءان، وألا مجال للديكتاتورية في مصر، وهو ما رد عليه الكاتب الصحافي حسين عبد الرازق خلال اجتماع النقابة ظهر الأربعاء، بالمطالبة بالضغط بإلغاء العقوبات المقيدة لحريات الصحافيين، وإصدار قانون الصحافة والإعلام الموحد، وكذلك إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر.

ومن الواضح أن حالة غضب متصاعدة خيمت على صحافيين كثيرين عشية صدور الحكم بحبس النقيب والسكرتير العام ووكيل النقابة. بيد أن الهدوء الذي بات يسود جنبات النقابة، وفي ظل تكثيف التواجد الأمني حول النقابة بوسط العاصمة المصرية، برهن، وبما لا يدع مجالا للشك، أن شيوخ المهنة وقدامى النقابيين قد فرضوا رؤيتهم على مجريات الأزمة، وحكَّموا العقل في تسيير مجرياتها، بعيدا عن حالة الصخب، التي برهنت المناوشات السابقة أنها لم تسهم في تجاوز الحدث الذي بات يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل الصحافيين الثلاثة، إذا ما قررت محكمة الاستئناف في جلستها المقررة الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول المقبل تأييد حكم الحبس، وهو ما سيدفع النقابة نحو مستقبل مجهول، في ظل خلاف اتسعت حلقاته بين مجلس النقابة ومؤسسات الدولة، خاصة وزارة الداخلية، بسبب التباين الحاد في المواقف السياسية، والذي يشكل أحد معالم الصدام المستمر منذ نحو نصف عام بين الجانبين.

نقلاً عن : RT

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*