د. سمير العيطة

د. سمير العيطة يكتب: الطاقة النووية محرك التنمية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم إنتاج الكهرباء من أول مفاعل نووى لإنتاج الكهرباء تم ربطه بالشبكة فى الاتحاد السوفيتى فى عام 1954، والذى تم إنشاؤه فى مدينة أوبنينسك الروسية التى تبعد حوالى 110 كم جنوبى غرب موسكو بغرض توليد الكهرباء. وسرعان ما أصبح مفاعل أوبنينسك مكانًا يجذب العلماء الدوليين البارزين، حيث شهد العديد من الابتكارات والاختراعات النووية المهمة. وقد توالت بعده افتتاحات لمحطات الطاقة النووية الأخرى حول العالم، حيث افتتحت إنجلترا ثانى محطة عام 1957.

وإذا أمعنا النظر سنجد أن كل هذه الاكتشافات جاءت نتيجة للمنافسة التى كانت قائمة وقتها ما بين الغرب والاتحاد السوفيتى لتطوير التقنيات النووية، ولاكتشاف أن تصميم مفاعل يُنتج حرارة منتظمة يعمل على الطاقة النووية يمكن أن يؤمّن احتياجات الطاقة لفترات طويلة، وأن تكون له استخدامات مختلفة أخرى.

شرعت الاقتصاديات العالمية الرائدة فى تطوير التقنيات النووية وسرعان ما نجحت فى بناء أول غواصة نووية (الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954)، وأول سفينة بحرية تعمل بالطاقة النووية (الاتحاد السوفيتى، عام 1959). ثم تم تطوير أنواع مختلفة من المفاعلات، والتى يمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسيين حسب التفاعل بين المكونات: مفاعلات الانشطار النووى ومفاعلات الانصهار، وهذا النوع الأخير لايزال فى المرحلة التجريبية. وتنقسم مفاعلات الانشطار النووى بدورها إلى نوعين رئيسيين، بناء على سرعة الجسيمات (النيوترونات) التى تسبب الانشطار النووى، وهما: المفاعلات الحرارية والمفاعلات السريعة. تباينت تصميمات المفاعل النووى بشكل كبير بحسب قدرة الدول على تخصيب اليورانيوم. تعتمد التقنيات الأساسية على استخدام الماء الخفيف أو الثقيل أو الغاز لتقليل سرعة النيوترونات ونقل الحرارة لتدوير التوربينات الكهربائية. فى المفاعلات النيوترونية السريعة تم استخدام الصوديوم لنقل الحرارة، حيث لا توجد حاجة لتقليل سرعة النيوترونات.

فى عام 1954 وافق الاتحاد السوفيتى على برنامج واسع النطاق لبناء محطات الطاقة النووية من 1956 إلى 1960. فى عام 1964 تم إطلاق أول مفاعل مائى- مائى بسعة 210 ميجاوات فى محطة نوفوفورونيج. فى الفترة من 1957 إلى 1967 قام الاتحاد السوفيتى ببناء 25 منشأة نووية، بما فى ذلك 10 مفاعلات للطاقة النووية، و7 معجلات، و8 مختبرات للنظائر المشعة وفيزيائية فى بلدان أوروبا الشرقية وآسيا وإفريقيا. فى الولايات المتحدة تم تطوير تقنية ويتنجهاوس لمفاعلات الماء المضغوط وتصميم جنرال إلكتريك مفاعلات الماء المغلى كأول مفاعلات تجارية فى عام 1960. وطورت كندا مفاعل كاندو للماء الثقيل الذى لا يحتاج إلى تخصيب اليورانيوم بينما تستخدم بريطانيا العظمى منذ فترة طويلة تقنيات الجرافيت والغاز.

مع هذه التطورات بدأت المفاعلات النوويّة تتنافس مع محطات الكهرباء الأحفورية (الفحم، النفط أو الغاز) منذ ستينيات القرن الماضى، وبدأ التفكير فى تصديرها أيضاً! كما أن الأزمتين النفطيتين عامى 1973 و1979 أعطتا دفعة قوية للطاقة النووية، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والضرورات الاستراتيجيّة وذلك لتنويع الدول المتقدمة لتموينها من الطاقة.

وقد أحدث تطوير التصميمات وتحديثها المستمر بالإضافة إلى تصنيع المعدّات ومراقبة التشييد الدقيقة، وكذلك ضمان الأمان تقدّماً تقنياً وصناعياً ملحوظين فى جميع البلدان التى شيّدت مفاعلات، ليس فقط فى الدول التى وضعت التصميمات مثل الولايات المتحدة وروسيا (أو الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت)، ولكن أيضا فى البلدان النامية، حيث تم تأهيل الخبرات لمراقبة عملية بناء المفاعلات النووية.

تباينت وتيرة بناء المفاعلات النووية، خاصة فى فترات انخفاض أسعار النفط، كما حدث فى منتصف الثمانينيات والتسعينيات، وكذلك مع الوعى البيئى المتزايد بعد حادث تشيرنوبيل. ومع ذلك أصبحت المفاعلات النووية جزءًا أساسيًا من السوق، كونها جزءًا من مزيج الطاقة والخيارات الاقتصادية الاستراتيجية للبلدان. تم إجراء العديد من التغييرات على محطات الطاقة النووية بعد الدروس المستفادة من الحوادث التى وقعت فى جزيرة ثرى مايلز فى الولايات المتحدة، وتشرنوبيل فى أوكرانيا وفوكوشيما فى اليابان. مع زيادة معايير السلامة ومعالجة الخوف من الطاقة النووية، نمت الرغبة فى استخدام الطاقة النووية لكونها طاقة خضراء غير ملوثة ولا تنتج أى انبعاثات تزيد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، الذى أصبح اليوم هماً عالمياً رئيساً.

على خلفية التقدم والتطور النووى الأولى، بدأت مصر فى التفكير فى برنامجها النووى الخاص فى أواخر الخمسينيات عندما انضمت إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتم بناء أول مفاعل نووى للأبحاث فى أنشاص. ثم فى عام 1979 تلقت أول عرض لها لإنشاء محطة للطاقة النووية، وفى عام 1980 تم اختيار مدينة الضبعة بمحافظة مطروح كموقع لبناء محطة للطاقة النووية فى المستقبل، ولكن تم إيقاف المشروع حتى عام 2006. كانت روساتوم من بين العديد من الشركات التى عرضت تكنولوجياتها النووية على مصر فى عام 2000، وتم قبول عرضها نظرًا للخصائص التقنية الفريدة وأعلى مستويات الأمان النووى ومعايير السلامة التى يمكن أن تقدمها للمشروع النووى المصرى، فضلاً عن الخدمات الإضافية الأخرى مثل تدريب الأفراد، والتى تم تضمينها فى عرضهم المتكامل.

فى عام 2015 وقعت مصر وروسيا اتفاقية مبدئية، بموجبها ستقوم روسيا ببناء أول محطة للطاقة النووية فى مصر، ثم فى ديسمبر 2017 وقع أليكسى ليخاتشيف، المدير العام لمؤسسة روساتوم، ومحمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة فى مصر، عقود إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية. سوف تساهم هذه المحطة فى توليد الطاقة الكهربائية لأغراض توطين الصناعات والتقنيات، وتطوير قدرات التصنيع المحلية وتعزيز البحث العلمى. كما سيوفر المشروع أيضًا حوالى 10000 وظيفة خلال فترة البناء، بالإضافة إلى 2000 وظيفة دائمة على الأقل بعد الانتهاء. يلعب هذا المشروع ايضا دورًا أساسيًا فى تنويع مزيج الطاقة فى مصر وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، كما يضع مصر على طريق التقدم العلمى والتكنولوجى.

وفى مصر، يمكن أن تمتد تطبيقات المفاعلات والنظائر المشعة النووية فى مختلف المجالات لتشمل مجالات تطوير مجالات الطب، الزراعة واستصلاح الأراضى، الإنتاج الحيوانى، الصناعة، إدارة الموارد المائية، بالإضافة إلى التقنيات النووية فى التحاليل الدقيقة، المواد والخامات النووية، الأمن والأمان النوويين، الوقاية من الإشعاع، إدارة النفايات المشعة، الحماية المادية للمواد، إدارة المنشآت النووية، والطوارئ النووية والإشعاعية.

إذا نظرنا إلى الوراء فى تاريخ تطور الطاقة النووية، يمكننا أن نرى كيف يمكن لبناء محطة نووية واحدة أو تبنى مشروعات أو برامج الطاقة النووية السلمية أن يعزز من التطور الصناعى والتكنولوجى فى البلاد مع تحول الإنتاج المحلى إلى فرص للتصدير.

الجهود العلمية والتطبيقية للبلدان العربية الناشئة فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية يمكن أن تحول المنطقة العربية إلى منطقة جاذبة للاستثمارات الدولية. المفاعلات النووية، مثل جميع المنشآت الصناعية الكبرى، تعطى حافزا لتنمية الموارد البشرية. علاوة على ذلك، كلما زادت حصة الدولة المضيفة فى تصنيع المعدات النووية كانت خبرتها الصناعية أفضل. تتطلب المفاعلات مساحة صغيرة نسبيًا، وتنتج طاقة رخيصة وصديقة للبيئة، وتخلق فرصًا للبحث والتطوير الصناعى. لقد جذبت كل هذه المزايا انتباه العديد من البلدان الناشئة، بما فى ذلك مصر، التى تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة أو زيادة قدراتها فى مجال الطاقة للتنمية الصناعية وكذلك لتلبية المتطلبات البيئية.

* الباحث السابق فى هيئة الطاقة الذرية الفرنسية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*