د.حسين الشافعي

لماذا دفعت مصر 30 مليون دولار من أجل صور لسد النهضة؟.. حوار مع عالم فضاء

-العالم الكبير شدد على أهمية وكالة الفضاء المصرية لحماية الأمن القومى للبلاد
-إطلاق قمر صناعى مع روسيا نهاية ٢٠١٨.. وموسكو تسهم فى تأهيل الكوادر المصرية

البداية كانت مع الدكتور حسين الشافعى، أحد علماء الفضاء المصريين، المقيم فى روسيا منذ عقود، وله أبحاث مهمة، ساهمت فى تفوق الروس فى مجال الفضاء، كما شارك فى مهام إطلاق سفينة الفضاء الروسية «مير»، فى تسعينيات القرن الماضى، وشارك أيضًا مع فريق بحثى فى بناء محطة الفضاء الدولية «MFD».

تحدث الشافعى، فى حواره، عن مشروع الفضاء المصرى بعد إقرار قانون وكالة الفضاء فى البرلمان مؤخرًا، إلى أنه سيسهم بقوة فى مكافحة الإرهاب وسيحقق ربحًا اقتصاديًا ضخمًا لمصر، وسيحفظ أمن واستقلالية الدولة المصرية.

وإلى نص الحوار:
■ بدايةً.. ما أهمية وكالة الفضاء المصرية على المستويين الاقتصادى والسياسى؟
– مشروع الفضاء المصرى حلم قديم منذ ثورة ١٩٥٢، حين بدأ جمال عبدالناصر يشعر بأهمية امتلاك الدولة وكالة فضاء، وكان الدافع وقتها تعزيز قدرة الدولة على احتمال الضغط العالى ودرجات الحرارة العالية، وليس غريبًا أن ينتبه عبدالناصر إلى هذا الأمر منذ ستينيات القرن الماضى، خاصة أنه اهتم بإنشاء مصنع المراجل البخارية، بهدف التحكم فى الضغوط العالية ودرجات الحرارة المرتفعة.

لكن للأسف بعد سنوات من إنشاء مصنع المراجل توقف المشروع بسبب نكسة ٦٧، وبعدها لم يهتم أى من الرؤساء بمشروع الفضاء المصرى، وكان مصنع المراجل البخارية الأول فى قائمة «الخصخصة»، التى أعدها حسنى مبارك، وتنازلت الدولة عن ملكيته، وكان ذلك تراجعًا واضحًا عن المشروع.
ومن هنا تأتى قيمة قرار الرئيس السيسى بإعلان تبنيه للمشروع، وإقرار قانون خاص بإنشاء وكالة الفضاء المصرية، فالدولة المصرية حاسمة الآن فى اختياراتها من أجل تحديث البلاد وضمان مستقبلها.

وكالة الفضاء مهمة لاعتبارات كثيرة جدًا، منها أن مصر تمتلك مجموعة من المؤسسات التى تعمل فى مجال الفضاء، منها الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، والمركز القومى للبحوث، ومعهد البحوث الفلكية، وكليات الهندسة والطيران، وكلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء، التى أنشئت العام الجارى، وتولت رئاستها واحدة من أهم علماء مصر، وهى الدكتورة ميرفت عوض، المعروفة على مستوى عالمى.

كل العاملين فى هذه المراكز مشتتون وجهودهم ضائعة لعدم وجود برنامج مصرى موحد لعلوم الفضاء، وهذا ما سيحققه وجود وكالة الفضاء المصرية، وصدور قانون إنشاء الوكالة مهم للغاية، لكن ليس كافيًا، حتى لا يصبح مجرد كلام على ورق.

■ ما الإجراءات التى يجب على الدولة البدء فيها حتى يدخل المشروع حيز التنفيذ؟
– الخطوات بدأناها بالفعل، لأن مصر ليست دولة متواضعة فى علوم وتكنولوجيا الفضاء، بل تمتلك حزمة مهمة من أقمار الفضاء، مثل مجموعة «نايل سات»، التى تطلق قنوات لعدد من البلدان العربية، كما وقعت مصر عقدًا مع فرنسا لإطلاق قمر صناعى جديد، بالإضافة إلى عقد آخر مع الصين، ووزير التعليم العالى أعلن أن لدينا مشروعا تم توقيعه مع اليابان لإطلاق قمر مشترك.

كما أن مصر لديها عقد تعاون مشترك مع وكالة الفضاء الروسية «روسكوزمس» للتعاون فى مختلف المجالات، التى تخص علوم الفضاء، ويجرى إعداد قمر للاستشعار عن بعد بنهايات عام ٢٠١٨، وهو إنتاج مصرى روسى مشترك.

ولدينا علماء ينشرون أبحاثهم فى دوريات علمية عالمية، وتتم الاستفادة منها لصالح كبرى وكالات الفضاء، والدولة اتخذت خطوة مهمة كبداية، لذلك قلت مؤخرًا لوزير التعليم العالى خالد عبدالغفار، باعتبار وزارته الجهة المشرفة على المشروع، إن الفضاء يدخل الآن فى كافة الاستخدامات اليومية للمواطن مثل التليفون والتليفزيون، وحتى الاستخدامات الاقتصادية المتعلقة بالزراعة، لذلك فهو مفيد للمجتمع فى كل نواحى الحياة، لذلك لا بد أن يكون لدينا نوع من الاستقلالية.

■ هل يمكن أن نحدد مدة زمنية تبدأ خلالها وكالة الفضاء المصرية فى العمل فعليًا؟
– الدولة خصصت مؤخرًا مساحة ٥٠ فدانًا فى التجمع الخامس للمدينة الفضائية المصرية، والمدينة لن تبدأ من الصفر، ولكن سيتم تجميع كافة الهيئات التى تعمل فى مجال الفضاء فى وكالة واحدة، والدولة تعمل حاليًا على إعداد مجموعة من معامل التصنيع والتجميع والاختبار للأقمار الصناعية داخل الوكالة.
وسيتم تحديد الميزانية اللازمة لبدء هذا النشاط قريبًا، وأتوقع أن الوكالة ستتحول من جهاز يعتمد على تمويل الدولة إلى جهاز يحقق عائدا ضخما للدولة خلال سنوات قليلة، لأن العمل فى مجال الفضاء عمل اقتصادى ذو ربحية عالية جدًا، فعلى سبيل المثال قمر الفضاء تكلفته تصل إلى ٣٠٠ مليون دولار، وعمره ١٥ عامًا، أى أن تكلفة السنة الواحدة ٢٠ مليون دولار، بينما يحقق عائد ربح ٥ مليارات دولار على الأقل فى السنة.

ومصر تخطت حاجز الـ١٠٠ مليون تليفون محمول، بالإضافة إلى الإنترنت، ويرجع عائدها كلها لشركات أجنبية تستثمر فى مصر فى مجال الفضاء، لذلك تسعى الدولة الآن لامتلاك هذه التكنولوجيا، لأنه دون امتلاكها لن نستطيع التحكم فى موارد الدولة، فالمشروع سياسى من الدرجة الأولى، لكن له بعد اقتصادى مهم جدًا، لا يمكن تجاهله.

■ ما طبيعة التعاون القائم بين مصر وروسيا فيما يخص وكالة الفضاء المصرية؟
– نحن نريد التعاون مع كافة الدول المتقدمة فى هذا المجال، وليست روسيا فقط، بل معها الولايات المتحدة ودول أوروبا واليابان والصين، وذلك أفضل بالنسبة للمشروع.

نؤيد أن تفتح وكالة الفضاء الوطنية علاقات مع كل دول العالم، لكن روسيا لها موقع متميز فى التعاون فى شئون الفضاء مع مصر، لأن روسيا ليس بينها وإسرائيل علاقات أمن استراتيجى، وبالتالى لا تحجب أى معلومات عن مصر لصالح إسرائيل، كما أنها وقعت اتفاقية لنقل تكنولوجيا الفضاء بين الهيئة القومية للاستشعار عن بعد ووكالة الفضاء الروسية.

وهناك مشروع روسى- مصرى قائم حاليًا وأُطلق بموجبه القمر الصناعى المصرى فى أبريل ٢٠١٥ وبعد عام من إطلاقه فُقد الاتصال به فى ظرف قهرى تتعرض له معظم دول العالم، لكن طبيعة علاقة الصداقة مع الجانب الروسى جعلته يتحمل بالكامل نفقات إعادة تصنيعه وإطلاقه، دون أن تتحمل مصر أى أعباء، وسيطلق هذا القمر مجددًا بنهاية ٢٠١٨.

كما أن روسيا فتحت آفاقًا من التعاون فى مجالات العمل الاستراتيجى لم يكن هناك سبيل آخر لإدراكها إلا عن طريق دولة صديقة مثلها، ومشروع الطاقة النووية أفضل مثال، وقدمت روسيا قرضًا بالكامل لإنشاء وتشغيل المفاعلات، ووقت بناء السد العالى، الذى يعد أكبر مشروع هندسى على مدار التاريخ، لا ننسى أن الولايات المتحدة رفضت دعم مصر، بينما قدمت روسيا دعمًا كاملًا، بالإضافة إلى مجمع الحديد والصلب.
■ هل نمتلك كوادر مؤهلة لإدارة مشروع الفضاء المصرى؟
– بالتأكيد مصر لديها مجموعة من الكوادر، وإن كانت تحتاج إلى إعادة تدريب ورفع كفاءة، ويجب أن نعترف بذلك، وساهمت روسيا فى إعداد كوادر وخبرات مصرية أعتقد أنها اللبنة الأولى فى مشروع الفضاء المصرى، وفى هذا الأمر يجب أن نضع خططًا متوازية للسير عليها فى الوقت نفسه، أهمها الاهتمام بنظام التعليم الأساسى لأننا نحتل المركز رقم ٣ فى الدول الأسوأ فى مجال التعليم الأساسى، وكذلك فى باقى مراحل التعليم.

وعلوم الفضاء تهم الآن مختلف جوانب الحياة فى مجالات الطب والزراعة والهندسة والإنشاءات والصناعة، كما تسهم فى حماية الحدود والموارد المصرية، لذلك من الضرورى الاهتمام بالتعليم الأساسى بشكل عام وإضافة علوم وتكنولوجيا الفضاء للدارسين فى مراحل مبكرة من التعليم، والآن أصبحت لدينا كلية متخصصة لإعداد كوادر علمية متخصصة، هى كلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء، وأدعو وزارة التعليم العالى لإدخال مناهج علوم الفضاء فى جميع كليات التعليم الجامعى وإذا أمكن ما قبل الجامعى.

ومن الضرورى أن تتواصل مصر مع المجتمع الغربى كله لإرسال بعثات طلابية لتلقى الخبرات والعلوم ثم العودة إلى مصر، ونحن نعلم أن هذه تجربة مهمة ومفيدة جدًا، وحدثت أيام محمد على، والعلماء الذين عادوا من الدول الأوروبية أسسوا مصر الحديثة وحققوا نجاحات واسعة فى مختلف العلوم.
■ إذن ما رأيك فى مزاعم الدكتور عصام حجى بشأن مشروع وكالة الفضاء المصرية؟
– مثل هؤلاء الأشخاص يعملون لصالح مؤسسات دولية احتكارية ضد أى كيان مصرى أو عربى قوى يحقق استقلالية لبلاده ويجعلها فى غنى عن خدماته، وهذه التصريحات ليس لها أى قيمة على الإطلاق.
■ هل حجب هذه الصور كان عائقًا فى مواجهة الإرهاب؟
– بالتأكيد كان عائقًا كبيرًا، ولم يتسنَ لمصر التعرف على الكثير من أوكار الإرهاب فى سيناء وغيرها، وربما الأمر كان سيختلف كثيرًا لو كنا نمتلك وكالة خاصة وأقمارًا مصرية ترصد وتصور كافة الأماكن لصالح مصر فقط دون أى تدخلات من دول أجنبية، وهذا يمنح القوات الأمنية معلومات وافية عن بؤر وتحركات الإرهابيين.
■ هل انعكس ذلك أيضًا على أزمة سد النهضة.. وهل قدمت هذه الجهات صورًا مغلوطة لمصر؟
– مصر دفعت ٣٠ مليون دولار لوكالة الفضاء الأمريكية، للحصول على بعض الصور الخاصة بسد النهضة، فقدمت لنا صورًا مشوشة، لكن بدأنا نحن علماء مصر، بشكل شخصى، فى الحصول على صور لعمليات البناء فى جسم سد النهضة منذ نوفمبر ٢٠١٥، وفى يناير ٢٠١٦ أظهرت الصور، التى جمعناها وصول نسبة البناء فى السد إلى ٦٠٪.
هل لمشروع وكالة الفضاء المصرية أبعاد سياسية؟
– مشروع وكالة الفضاء المصرية مشروع سياسى بالدرجة الأولى، ويهدف إلى تحقيق استقلال تام لمصر، بعيدًا عن المراقبة الدولية، حتى تكون هى الوحيدة التى تتحكم فى مقدراتها، خاصة أن هناك عددًا من الدول تمتنع عن مدنا بالصور التى تهم مصر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*