الشيخ سعيد مكرم عبد القادر زادة، مفتى جمهورية طاجيكستان

تعاون استراتيجي بين مصر وروسيا

تتمتع العاصمتان القاهرة وموسكو بعلاقات تاريخية عميقة منذ ما يقرب من 75 عاما مضت، علاقات توسعت في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في جميع المجالات ومنها المجال العسكري، لكنها ازدهرت ونمت وتوهجت في ظل الصداقة والثقة المتبادلة التي تجمع بين الشعبين المصري والروسي، والزعيمين عبدالفتاح السيسي وفلاديمير بوتين، مع اختلاف الآليات والأهداف والتوجهات الحالية عما سبق.

وتأتي الزيارة التي يقوم بها الرئيس السيسي لموسكو خلال ساعات تدعيما وتتويجا لتلك العلاقات واستمرارا للتعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات، في ظل ظروف دولية معقدة ومتشابكة.

فالجيش المصري الذي يعد واحدا من أقوي جيوش العالم المتقدمة بحسب موقع »‬جلوبال فاير باور»‬ الشهير والمعني بدراسة كفاءة القوات المسلحة في جيوش بلدان العالم.. مسئول عن حماية الأمن القومي المصري، بل والعربي أيضا، من أي تهديدات أو تحديات تواجه المنطقة وعلي رأسها الإرهاب وتنامي الأطماع الدولية والإقليمية حولها».

ورغم ان القاهرة تنتهج حاليا استراتيجية واضحة لتنويع مصادر السلاح، وعدم الاعتماد علي مصدر وحيد للتسلح، وتحرص علي التمتع بعلاقات تعاون جيدة مع أكثر من شريك.. إلا أن التعاون مع الصديق الروسي مازالت له خصوصية محددة.

والاستراتيجية التي ينتهجها الجيش لتنويع مصادر السلاح، أمر ليس هينا، لكنه شديد الصعوبة ويتطلب جيشا قادراً علي استيعاب أساليب التدريب والصيانة والتشغيل للسلاح الشرقي والغربي علي حد سواء. فمن المعروف أن »‬تشكيلة» التسليح في أي بلد تعتمد بشكل رئيسي علي »‬تكامل وظائف السلاح»، فعلي سبيل المثال. شراء طائرة ما يتطلب مجموعة من الأنظمة والمعدات والخدمات المساندة لها من نفس مدرستها الهندسية، سواء كانت شرقية أو غربية.

ولكي يستطيع جيش ما الجمع بين أكثر من نظام للتسلح، هو أمر شاق ولا تستطيعه إلا الجيوش ذات الخبرات الكبري والواسعة، خاصة أن أنظمة التسلح تختلف حتي داخل المعسكر الشرقي أو الغربي، فمثلا السلاح الروسي يختلف عن الصيني رغم انهما من معسكر واحد نطلق عليه مجازا »‬المعسكر الشرقي»، وهو ما يتكرر كذلك بين السلاح الأمريكي أو الفرنسي. وتحقق استراتيجية التنويع أكثر من فائدة عسكرية واقتصادية، فمن ناحية يتيح هذا الاسلوب الحصول علي أفضل الشروط سواء من حيث السعر أو الامكانيات.

ويضمن عدم الاعتماد علي مصدر واحد ووحيد يحتكر توريد السلاح. ومع تعدد مصادر التسليح في الجيش المصري خاصة بعد 30 يونيو 2013 في مصفوفة دول تزيد في مجموعها عن 12 دولة. تظل خبراتنا بالسلاح الروسي كبيرة واهتمامنا به لم يتغير.

فقد حققنا به اعظم انتصاراتنا في أكتوبر 1973. وتشهد العلاقات المصرية الروسية حاليا ذروة ازدهارها، بفضل البصيرة السياسية والرؤية الاستراتيجية التي تتمتع بها قيادتا الدولتين، متجاوزة التأرجح الذي منيت به صعودا وهبوطا حسب الظروف والمتغيرات الدولية والاقليمية والمصالح الوطنية بين الصعود خلال فترات الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات، وهي العقود التي شهدت حروب 1956، 1967، 1973، وكان لروسيا »‬ممثلة في الاتحاد السوفيتي السابق»، اسهامات كبيرة فيها، وبين الهبوط خلال فترة النصف الثاني من السبعينيات ثم الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية رغم الحرص علي عدم انقطاع الزيارات والمشاورات بين البلدين.

القاهرة وموسكو فتحتا آفاقا جديدة للتعاون واهدافا مشتركة للتحقق، لا تقف عند حدود شراء السلاح، وانما امتد الأمر للشراكة الاستراتيجية ومحاربة الإرهاب واستقرار المنطقة بشكل جديد، وهي أمور لا تقف عند حدود المشاورات السياسية، بل تصل إلي التعاون الأمني بين العاصمتين وهو ما سيكون علي رأس أجندة الاجتماعات بين الرئيسين السيسي وبوتين بكل تأكيد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*