الشيخ سعيد مكرم عبد القادر زادة، مفتى جمهورية طاجيكستان

مفتى طاجيكستان فى حوار لـ «الأهرام»: نخوض ومصر حربا ضروسا ضد التنظيمات الإرهابية

أكد الشيخ سعيد مكرم عبد القادر زادة، مفتى جمهورية طاجيكستان، أن الجماعات الإرهابية المتطرفة تسعى الى نهب ثروات الأمة والشعوب الإسلامية باسم الدين، من خلال أفكارهم وفتاواهم الشاذة والمتطرفة التى تخدم أهدافهم واجنداتهم الخاصة وأهداف أعداء البلاد، مشيرا – فى حواره لـ «الأهرام»، على هامش مشاركته فى مؤتمر دار الإفتاء العالمى الذى عقد بالقاهرة أخيرا- الى ان الشعبين المصرى والطاجيكى يخوضان حربا ضروسا ضد التنظيمات الإرهابية، مطالبا المؤسسات المعنية ببذل مجهودات أكبر فى قضية تجديد الخطاب الدينى ومحاصرة الأفكار المتطرفة، مشددا على أن الفتوى الصحيحةَ هى أداة مهمة فى تحقيق استقرار المجتمعات وتعزيز السلم الدولي.. والى نص الحوار:

هل هناك علاقة بين الفتوى وتحقيق الاستقرار بالمجتمع؟

لا شك فى أن الفتوى لها أهمية ودور كبير فى تحقيق الاستقرار والسلم المجتمعي، حيث إن الاهتداء بهذا الدين والانتفاع بشريعته مشروط بالفقه فيه، الذى هو الفهم الصحيح لمراد الله عز وجل، والفقه الصحيح فى الدين مفتاح الخير، وآية السعادة، وبذلك نجد أن الفقه فى الدين له مكانة مهمة وخطيرة، غير أن الفقه فى أحكام الله وتنزيلها على واقع المكلفين وأحوالهم، ليس بالأمر الهين، وليس مرتعا لكل من شاء أن يقول ما شاء، لذلك فإن الفتوى فى دين الله من أعظم الأمور التى يجب العناية بها، ومقامها مقام عظيم، وأثرها فى الناس خطير، لأن الخطأَ فى الفتوى يترتب عليه أثر عظيم، فالفتوى الصحيحة هى أداة مهمة فى تحقيق استقرار المجتمعات وتعزيز السلْم بين أفرادها، والفتوى التى تصدر من غير المتخصصين تسبب اضطرابا كبيرا فى المجتمعات، كما حدث فى بلدنا.

فى خطوة محددة برأيك كيف يكون التجديد فى الفتوي؟

أستطيع أن أقول إنه أصبح من المؤكد على علماء الأمة وفقهائها أن يجتهدوا فى استنباط الأحكام الشرعية والفقهية وإخراج الفتوى بما يتماشى مع الواقع، وكذلك ترسيخ الفقه الوسطى بمعنى الاعتدال فى كل أمور الحياة من تصورات ومناهج ومواقف، وأرى أن التجديد فى الفتوى يعنى تطوير مجال الإفتاء ونقله نقلة نوعية من مجال سلبى يقتصر على حل المشكلات، إلى مجال أكثر إيجابية ينتقل إلى عمل التدابير الوقائية من المشكلات ليشارك فى البناء والتعمير.

نريد توضيحا أكثر لرؤية فضيلتكم فى هذا الشأن؟

أريد أن يكون التجديد فى الفتوى شاملا، بحيث تتناول ضوابط الإفتاء قضايا متنوعة منها مثلا قضايا الشأن العام وعلاقتها بالدولة، عن طريق توضيح مفهوم الدولة فى الإسلام وعلاقته بالفتوي، وقواعد الإفتاء فى القضايا السياسية وشئون الدولة، والإفتاء ودعم الاستقرار فى أمور الدولة، وتأثير فتاوى الإسلام السياسى على مسارات الأمن، وكذلك قضية الإسلام والعلاقات الدولية، فتوضيح هذا كله يؤهلنا للرد على فتاوى المتطرفين بخصوص الدولة، وتفنيدها وبيان أخطائها تحليلا ونقدا، حيث يخوض كثير من الدول حربا ضروسا ضد التنظيمات الإرهابية التى تتخذ من بعض الأفكار الشاذة والمغلوطة قاعدة لها للانطلاق نحو نشر الأفكار المتطرفة الهدامة فى المجتمعات، وإحداث انقسامات وفتن بالغة بين أطياف الوطن الواحد، والقضاء على الأمن والاستقرار والعمل على تقسيم الدول المستقرة إلى دويلات متناحرة متنازعة، ولن نستطيع أن نحقق هذا النجاح إلا بالتلاحم بين منظومة الفكر الشعبى الوسطى العقلاني، وبين جهود الدولة، وبذلك نتخلص من هذا الكابوس الذى يجثم على جسد الأمة.

وكيف تتحقق هذه الرؤية من خلال الفتوي؟

يجب أن تكون الفتوى متطورة ومواكبة لمستجدات الدولة الحديثة، حيث إن الدول الديمقراطية تتكون فى الغالب من السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، فلا بد من أن يكون هناك توازن بين هذه السلطات، وأن تدعم الفتوى الدولة بما يتفق مع القوانين المعاصرة لدعم الاستقرار فى الدولة، وأن تكون روح الفتوى متوافقة مع حضارات الشعوب بصفة عامة ولا تصطدم معها. على ذكر التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.. كيف تتعامل بلادكم معها؟ التنظيمات الارهابية والجماعات المتطرفة أعلنت عن فلسفتها وهى تدمير الحضارة الإنسانية بأكملها، كما انها تريد نهب ثروات الأمة والشعوب الاسلامية باسم الدين، من خلال أفكارهم وفتاواهم الشاذة والمتطرفة التى تخدم أهدافهم وأجنداتهم الخاصة وأهداف أعداء البلاد، لذا نحن فى طاجيكستان تشن الحكومة الوطنية حربا ضروسا ضد هذه التنظيمات للقضاء عليها، ولعل الحوادث الارهابية التى تقوم بها هذه التنظيمات فى بلادنا تكشف عن أبعاد متنوعة، أهمها البعد الدولى المتمثل فى الدعم الذى تقدمه قوى من خارج البلاد لمثل هذه التنظيمات، وأيضا استراتيجية هذه التنظيمات فى تجنيد الشباب، مما يضع على عاتق علماء ومفكرى الأمة مسئولية مواجهة فكر هذه التنظيمات وإنقاذ عقول شبابنا منها، من خلال تنقية المفاهيم والأفكار لدى هؤلاء الشباب من الإرهاب والتطرف من أجل تحقيق رفاهية شعوبنا واستقرار الأمن والأمان فى بلادنا.

وما جهود بلادكم لحماية الشباب من التطرف والانضمام للجماعات الإرهابية؟

يتم التعاون حاليا مع كل الجهات والمؤسسات الدينية الرسمية المعنية بهذا الأمر فى العالم، وعلى رأسها بالطبع الأزهر الشريف ودار الافتاء المصرية وايضا وزارة الاوقاف، حتى تتم محاصرة الفكر المتطرف على كل الأصعدة خاصة فى مجال الفضاء الالكتروني، لإنقاذ الشباب من الوقوع فى براثن الجماعات الإرهابية، حيث يتم التواصل مع المستفتين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونحن نستفيد من فتاوى دار الافتاء المصرية، وتجربتها الالكترونية فى هذا الشأن، لإيصال المعلومة الشرعية الصحيحة دون غلو أو تطرف، كما تم إنشاء مركز الدراسات الإسلامية، وتشكيل مجلس شورى للعلماء تابع للمركز الإسلامي، وإنشاء وتطوير جامعة طاجيكستان الإسلامية والمدرسة الإسلامية للتعليم الديني، ويوجد حاليا ومنذ سنوات معلمون من الأزهر الشريف يعملون بجامعة طاجيكستان الإسلامية.

ألا ترون وجود تشابه بين مصر وبلادكم فى مواجهة هذه التنظيمات المخربة؟

معك كل الحق، فكما تقوم مصر بمحاربة الإرهاب ومحاصرته والقضاء عليه ومساندة الشعب لقواته المسلحة، نجد أن القيادة السياسية والحكومة الوطنية فى طاجيكستان تسعى أيضا لنشر الأمن فى ربوعها، ومواجهة الإرهاب بتأييد شعبى كبير، وهنا أود أن أؤكد أن الحرب التى تخوضها الدولة المصرية بكل أجهزتها ضد التنظيمات الإرهابية، لا تختلف عن تلك الحرب التى تخوضها بلادنا ضد تنظيم حزب النهضة الإرهابى المحظور سياسيا، وهو حزب قائم على أساس ديني، مما أدى بالمحكمة العليا فى البلاد إلى حظر نشاط هذا الحزب ووصفته بالتطرف والإرهاب، كما تم حظره دوليا وإدراجه فى قائمة المنظمات الإرهابية فى اجتماع لجنة أعضاء مجلس الأمن التابع لمنظمة معاهدة الأمن الجماعى برئاسة أرمينيا، ووجوده كباقى التنظيمات الإرهابية يهدد أمن واستقرار البلاد بما فيها جمهورية طاجيكستان، وجمهوريات آسيا الوسطي، والجماعات المتطرفة هدفها تخريب البلاد وأخذ الثروات من الشعوب الإسلامية.

وما هى جهود المؤسسات فى تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف؟

التجديد يقتضى إعمال الحكمة والموعظة الحسنة التى دعا اليها القرآن الكريم، بمعنى النظر الى الواقع، بحيث يكون الخطاب شرعيا موافقا للوضع الحالى ومستجدات العصر ويلبى حاجات الناس، وهناك جهود حثيثة فى هذه القضايا، سواء من خلال المنابر الدعوية المعتدلة، أو بالتنسيق بين المؤسسات الدينية والمراكز الاسلامية فى مختلف الدول، ولكن هذه الجهود تحتاج الى مجهود أكبر ومزيد من الخطوات والدفع والعمل، كما لا بد من ضرورة التنسيق بين المؤسسات الرسمية الدينية والعلمية والثقافية والاعلامية والفكرية والتربوية والدعوية داخليا وخارجيا، وعلى جميع المؤسسات المعنية تقديم مجهودات أكبر فى قضية تجديد الخطاب لمواجهة خطر الفكر المتطرف، فهذه قضية لا تستطيع أى مؤسسة منفردة أن تقوم بها دون مساندة من المؤسسات المعنية الأخري.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*