أثر الثقافة العربية في روسيا

«الحواضر الإسلامية» في موسكو: أثر الثقافة العربية في روسيا

 تحرير ناظم مجيد حمود

اهتمام روسيا، ما بعد الوثنية، بالشرق الإسلامي يرجع إلى أمد بعيد. ومبعث هذا وضعها الجغرافي ومكونها الإثني- الديني، وعلاقات أقوامها الروحية والتجارية الوثقى مع البلدان الإسلامية المتاخمة لها. كما فرضت التغيرات الجيو- سياسية والنزاعات الإثنية المحلية، في روسيا القيصرية والسوفييتية وبلدان العالم الإسلامي وأوروبا في القرون الثلاثة الأخيرة، على الدبلوماسيين والمستشرقين الروس دراسة واستقصاء أحوال الشرق الإسلامي، المتعدد الأقوام والأعراف واللغات والثقافات، وإبداء الرأي والمشورة. ومن حين لآخر، يلاحظ الأخصائيون الروس ومؤرخو ثقافات الشعوب الإسلامية وآدابها بروز شغف وسط النخب الروسية المُبدعة بالمواضيع والمعالم الشرقية وتوظيفها في الآداب والفنون والعمارة الروسية.

حواضر القياصرة والإسلام

ومنذُ منتصف القرن التاسع عشر لوحظ تعمق الدراسات الأكاديمية لآداب وثقافات العالم الإسلامي وآثارها الشاخصة في جنوب روسيا والقفقاز وآسيا الوسطى، الأمر الذي كان له أثر مباشر في توسيع دائرة الدراسات المختصة بلغات بلدان الشرق الإسلامي وتاريخها، في عاصمة روسيا القيصرية سانت- بطرسبورغ وحواضرها الكبرى؛ موسكو وكييف وقازان وغيرها، وافتتاح كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ الإمبراطورية عام (1855)، والجمعية المعمارية الإمبراطورية الروسية عام (1846) مع قسمها الشرقي (1851- 1923). كما أصبحت الرحلات إلى مختلف البلدان، في القرن التاسع عشر، أكثر انتشاراً وأسهل منالاً. وحلَّ عصر تطور المجلات العامة والمختصة والنشرات الدورية، وتوفر إمكانية أكبر للطباعة والتوزيع. وحينئذ نُشرتْ مقالات وتقارير دبلوماسية وصحافية عن أوضاع الشرق الإسلامي وأعلامه السياسية والدينية وحركاته الاصلاحية والتجديدية، وترجمات أدبية وثقافية منوعة من تراثه الديني والفكري في المطبوعات العامة الموجهة إلى جمهور واسع، وكذلك في الدوريات العلمية الصرفة المقتصرة تماماً على دائرة ضيقة من ذوي الاختصاص.
غالبية المقالات المنشورة في الدوريات الروسية العلمية والأدبية- الثقافية، التي ترد مُنتخبات منها في كتاب «الحواضر الإسلامية في المطبوعات الدورية الروسية، القرن التاسع عشر- مطلع القرن العشرين» الصادر مؤخراً في موسكو، إعداد ناظم الديراوي المختص بالصلات الروسية – العربية، تنتسب إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وجُلّها مكرس لوصف مدن إسلامية مقدسة في الشرقين الأدنى والأوسط وآسيا الوسطى شَكَّلت وحددت، طوال تاريخها المديد، معالم الثقافة الإسلامية الأصيلة ومدّها الحضاري، ولا زالت إلى اليوم تكتنز آثارها الشامخة.

بردية إيبرس

في الكتاب الحالي ضُمّت منشورات من ثلاث مجلات علمية؛ 1- «مجلة الجغرافية والرحلات»، 1858. T.V. 2- «مجلد آسيا الوسطى» نوفمبر/تشرين الثاني، 1896. 3- «تقارير قسم القفقاز في الجمعية الجغرافية الإمبراطورية الروسية» 1875. الكتاب التاسع. ومقالات وتقارير من أعداد المجلة الأُسبوعية المصورة « المصورات العالمية». وتم إيلاء أهمية خاصة، في مواد الكتاب المنتخبة، لوصف المدن الإسلامية المقدسة: مكة المكرمة، المدينة المنورة ، كربلاء المقدسة، والآثار والتقاليد الإسلامية في أرجاء القاهرة ومشهد وقم وأصْفَهَان وسمرقند وعدن. وتضمن الكتاب أيضاً مواد مصورة مرفقة بتعليقات مختزلة. أعدها مختصون روس؛ رحالة ومستشرقون ودبلوماسيون وعسكريون وصحافيون ورسامون، قاموا برحلات في تلك الحواضر الإسلامية لأغراض شتى. كما وردت مقالة عن عمل مخصص لمصر كتبه المستشرق الألماني جورج إيبرس (1837-1898)، عالم المصريات ومؤلف روايات تاريخية شعبية. وما هو معروف أنَّ العالم إيبرس ابتعث إلى مصر، مرتين عامي (1867 و 1874)، لإجراء تنقيبات وأبحاث أثرية في مواطن حضارات بلاد النيل، كانت حصيلتها مؤلفات علمية وأدبية بينها، «مصر القديمة وكتب موسى» (1867-1868)، اكتشاف ودراسة نص طبي مصري قديم، عُرف بـ»بردية إيبرس» (1874)، قصص عن مصر الفرعونية ورواية «الأميرة المصرية» التي ترجمها الشاعر اللبناني الياس بن نعمة ونشر جزءاً منها في مجلة «اللطائف»، وتوفي قبل إكمال الترجمة، فأتمها الكاتب أسعد داغر وطبعت في كتاب.

«تلاوة القُرآن»

كما ضُمّت إلى كتاب «الحواضر الإسلامية…» أربع مقالات كتبها مختصون في قضايا الشرق (إي.ن.بيريوزين، ش.إيشاييف، يَ.إي. تشيريكوف، ج.إيبرس). ولغرض تزيين المقالات استثمرت لوحات الرسامين (ك.يَ. ماكوفسكي، أَ.ن. تشيكين، ل.يَ.دميترييف) وعدد من الرسمات غير المعروفة التي لم يُذكر مؤلفوها. بعض المواد المنشورة وِقِّعَتْ بشكل مخــــتزل ولم يتم نسبها- أَ. شَ- لوف (مؤلف مقال عن لوحة ل.يَ. دميــــترييف «تلاوة القُرآن»)، ف. ك- سكي (مؤلف مقال عن عدن).
وفي هذا الكتاب الوثائقي تم نقل الانطباعات والتصويرات الفنية عن مصر، القرن التاسع عشر، في أعمال الرسامين الروس (م.يَ.ماكوفسكي، أَ.أَ.تشيكين، ل.يَ. دميترييف)، الذين زاروا البلاد وتجولوا طويلاً في بقاع الشرق وولعوا بالموروثات والتقاليد الشرقية.

ملاحق وشروح لازمة

ولأجل إزالة الغموض والإبهام أُضيفت للمواد المنشورة ملاحق توضيحية؛ 1- ملحق الأسماء. 2- ملحق التسميات الجغرافية والطابوغرافية. التسميات وبصورة خاصة الأبنية والعمائر (الحمامات، القلاع والحصون، البوابات، خانات- القوافل، المحطات، الأسواق، المقاهي، الأهرامات، المعابد والمساجد، المزارات والأضرحة والمقابر، االمدارس ودور التعليم، الجسور ومراصد الفضاء). 3- ملحق المصطلحات، العبارات والتراكيب. 4- ملحق المراجع. 5- كشف المطبوعات الدورية المستثمرة.
وما يلزم بيانه، أنَّه تم استعمال أسماء الأعلام، في المقالات والتقارير المنشورة في الكتاب، والتسميات الجغرافية والمفردات اللغوية وبعض العبارات، المقتبسة من اللغات العربية والتركية والفارسية ولغات إيرانية أخرى، وعادة ما نُقلتْ بخلاف صيغ التسميات والاقتباسات المعاصرة في اللغة الروسية. هذه المسميات والمفردات اللغوية ضُمتْ إلى ملاحق توضيحية. وتم استناداً إلى المصادر والمعاجم اللغوية والجغرافية المعتمدة، ورفدها بالشروح اللازمة وبيان الغامض منها، وفق الصيغ المعاصرة المتداولة والمتعارف عليها اليوم باللغة الروسية.
خصص كتاب «الحواضر الإسلامية في المطبوعات الدورية الروسية، القرن التاسع عشر- مطلع القرن العشرين»؛ لذكرى مرور (300) عام على تأسيس أقدم وأكبر مكتبة أكاديمية في روسيا والعالم، مكتبة أكاديمية العلوم الروسية، التي احتفت بها، نهاية عام (2014)، المعاهد والأوساط الأكاديمية والتعليمية والثقافية الروسية والدولية.
وبلا شك أنَّ جُلَّ مواد هذا الكتاب التوثيقي ستساهم في إثراء معــــارف الأخصائيين والمعنيين بشؤون الشرقين الأدنى والأوسط وآسيا الوسطى، ودائرة واســعة من القراء الروس المهتمين بتاريخ وآداب وثقافات الشرق الإسلامي.

المصدر : صحيفة القدس العربى 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*