فى إطار الإحتفال بمرور 70 عاماً على إقامة العلاقات المصرية الروسية، المجلس الأعلى للثقافة يناقش كتاب «صفحات من تاريخ العلاقات المصرية الروسية»

أنباء روسيا : 

 بمناسبة مرور سبعين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وروسيا ، تلك التى بدأت منذ عام 1943  استضاف المجلس الأعلى للثقافة ندوة حول كتاب «صفحات من تاريخ العلاقات المصرية الروسية  «للدكتور/ حسين الشافعى» ، بحضور سفير روسيا الإتحادية فى مصر «سيرجى كيربيتشنكو» وكوكبة من الأدباء والكتاب من مصر وروسيا .يتناول الكتاب صفحات مجهولة وتفاصيل مراحل تطور العلاقات المصرية الروسية خلال ال 70 عاماً الأخيرة ، بما فى ذلك مراحل الصعود والهبوط فى العلاقات الثنائية ، والمرحلة الذهبية التى شهدت تعاوناً على أعلى مستوى أثناء بناء السد العالى ومصانع الحديد والصلب ومصانع الألومنيوم وتسليح الجيش المصرى خلال حرب الاستنزاف .وأكد أن العلاقات المصرية الروسية كانت فى أوجها فى الستينات ، ودعمت روسيا الصناعات الثقيلة المصرية ، فى حين أن الشريك الأمريكى الذى ارتمى فى أحضانه العرب لم يقدم شيئاً لدعم الاقتصاد المصرى .

نشأة العلاقات بين مصر وروسيا:

كما أوضح الشافعى أن العلاقات بين مصر وروسيا بدأت قبل سبعين عاماً،وبالتحديد منذ أكثر من(240) عاماً أى قبل عصر «محمد على»، وبالتحديد عام (1784) حين أصدرت الإمبراطورة الروسية «يكاترنيا الثانية» قراراً بإنشاء أول قنصلية روسية فى الإسكندرية وعينت لها باروناً من الأسرة الحاكمة، وتم رفع علم الإمبراطورية الروسية على القنصلية عام . ( 1785) ولفت (الشافعى) إلى أن هناك سمة حاكمة فى طبيعة العلاقات بين البلدين وهى أن روسيا دائماً تساند حق الشعب المصرى فى الاستقلال والسيادة على أراضيه، فبعد افتتاح القنصلية الروسية فى الإسكندرية بثلاثة أعوام اضطرت مصر إلى إغلاقها بأوامر من الباب العالى العثمانى بسبب الحرب وحين عاد القنصل المعزول إلى بلده روى للإمبراطورة الروسية معاناة المصريين تحت الإحتلال العثمانى، فما كان من الإمبراطورة الروسية إلا أن جمعت مستشاريها وخلصت إلى موقف ثورى يقضى بإرسال القنصل المعزول متنكراً بشخصية أخرى إلى «دمياط»، حيث يجتمع مع وجهاء القوم الوطنيين الشرفاء، ويبلغهم رسالة الإمبرطورة الروسية التى تنص على دعمها الكامل لمواجهة الهجمة العثمانية ، وجاء فى الرسالة ما نصه: «كونوا واثقين من أنكم إذا قررتم حمل السلاح ضد الهجمة العثمانية ستقف الإمبراطورية الروسية معكم بشكل دائم».

يعلق صاحب الكتاب المحتفى به بقوله :إن هذا الموقف يشكل ملامح السياسة الخارجية الروسية تجاه مصر. ويذكر الشافعى ثورة الشعب المصرى فى( 1919 ) حين أرسل «لينين»  رسالة مشهورة إلى سعد زغلول يعلن فيها وقوف الإتحاد السوفيتى مع الشعب المصرى حتى حصوله على الاستقلال وإعلاء إرادته .وبسؤاله عن قول السادات بأن مصر عانت للحصول على السلاح السوفيتى بعد نكسة 1967، قال الشافعى أن قول السادات طبيعى لأنه بعد حرب 1973 اتخذ قراراً بالإنحياز لأمريكا ، لذلك كان لابد من أن يهيل التراب على المساعدات السوفيتية . وأشار إلى خطبة الرئيس الراحل أنور السادات الشهيرة بعد رحيل جمال عبد الناصر ، حين قال : أن جميع  الدول جاءت للتعزية ، إلا الإتحاد السوفيتى هو الوحيدالذى جاء للعزاء حاملاً معه «صينية العشاء»  ويقصد أنه جاء محملاً بالأسلحة تعويضاً عن النكسة.

وأكد صاحب الكتاب أن مصر انتصرت فى حرب الإستنزاف ،التى تعد أطول معركة حربية ضد إسرائيل بالسلاح الروسى ، فمصر لم تحصل فى الفترة من(1967 وحتى 1973  ) إلا على السلاح الروسى. ومع ذلك انبطح السادات بعد نصر أكتوبر أمام أمريكا، وأعلن أن (99%)  من أوراق اللعبة بيدها .و فى كلمته أكد صاحب الكتاب د. حسين الشافعى أن روسيا الإتحادية منذ أيامها الأولى صديقة للشعب المصرى، الذى عرض هذه الصداقة لمخاطر عديدة، أبرزها أن المكافأة التى كوفئ بها الصديق الروسى على وقوفه مع المصريين فى نكسة 1967 أن مصر نقلت الأسلحة الروسية لأمريكا لفك أسرارها ، ولم تقدم الحكومة المصرية اعتذاراً لروسيا إلى اليوم عما أسماه «الخيانة المصرية».

ولفت الشافعى إلى أنه فى عام 1992 حضر وفد حكومى مصرى إلى موسكو لتسوية ديون مصر بعد أن بح صوت الاتحاد السوفيتى – بعد انهياره -، لتسدد مصر ما عليها من ديون له خاصة بعد الوضع الاقتصادى السئ فى روسيا حينها. لكن المسئول الحكومى رئيس الوفد كان يرى أن فائدة قرض الاتحاد السوفيتى لمصر (2% ) فقط وهى فائدة غير مركبة، فى حين أن فائدة القرض الأمريكى % 20 فالأولى بالسداد هى أمريكا ، وبالفعل لم تسدد مصر ديونها لروسيا ، وقبلت روسيا أن تسدد لها مصر الديون بالشكل التى تقبل مصر به . و ثمّن )الشافعى( وقوف روسيا بجانب الشعب المصرى فى ثورتيه 25 يناير، و 30 يونيو حين أكدت الحكومة الروسية أنها لا تقبل بممارسة ضغوط على مصر. و للدلالة على عمق العلاقات المصرية الروسية، لفت إلى استطلاع روسى وجه إلى القادمين من جميع دول العالم فى أكبر إحصاء روسى، وكان السؤال هو : ما الشعب الأكثر قبولاً وإحتراماً للشخص الروسى ؟ ، واحتلت مصر المرتبة الأولى.

مساندة روسيا للعرب:

ثمّن صاحب الكتاب موقف روسيا الرافض لحرب أمريكا على العراق ، وموقفهم من الجيش السورى الحر الذى يقوم بأعمال تدمير فى سوريا – على حد وصفه – ، رغم تحفظات روسيا الإتحادية على نظام حكم «بشار»، لكن موقف روسيا يرفض تولى جماعات مسلحة تحكم البلاد بالدم . كذلك كان الموقف الروسى دوماً مسانداً لقضية «فلسطين» حتى أن الرئيس الروسى زار «فلسطين» دون أن يمر على العدو الإسرائيلى، لأول مرة فى تاريخ الدولة المحتلة يقوم رئيس روسيا بزيارة فلسطين ويعلن أنها أرضاً محتلة يجب أن تعود دولة وتصبح القدس الشرقية عاصمة لها.

ويصف (الشافعى) الصديق الروسى بأنه فى مواقفه كان ملكياً أكثر من الملك، ففى الوقت الذى خضعت فيه الدول العربية لضغوط للتخلى عن مواقفها، لم يغير الصديق الروسى موقفه من فلسطين. ومن جانبه يذكر الشافعى العلاقات التى تربط بين مصر وروسيا، ففى حين أبدت أمريكا والدول الغربية رفضهم لمساعدة مصر لدخول مجال الطاقة النووية إلا بأيدى أمريكية، قام رئيس هيئة الطاقة النووية الروسية بزيارة إلى مصر وأبدوا رغبتهم فى المساعدة وتدريب الباحثين المصريين فى روسيا، والشهر الماضى زار الباحثون روسيا وكان هدف الصديق الروسى هو أن تكون مصر قادرة على الدخول لعصر الطاقة النووية.

وأكد الشافعى أن الكتاب يذكر مساعدات الصديق الروسى الوفى لمصر فى بناء السد العالى، كذلك عند حدوث نكسة 1967 التزم الإتحاد السوفيتى بتعويض مصر بالكامل عن كل خسائر المعركة، فكان هناك  (9 آلاف) رحلة من الطائرات الروسية لنقل الأسلحة فى أكبر جسر جوى عوض مصر عما فقدته فى هذه الحرب.

وروى الكاتب حكاية الشيخ محمد عياد الطنطاوى الشيخ المصرى المُعمم الذى تمت دعوته من قبل قيصر روسيا بطرس الأكبر ليعلم اللغة العربية فى روسيا، ووافق الوالى محمد على الذى أوصى الشيخ الأزهرى بالاجتهاد، وفى عام (1840) حمل الشيخ متاعه وزوجته وابنه من طنطا ، راكباً البحر فيما يزيد عن ثلاثة أشهر حتى وصل روسيا الإتحادية كمعلم للغة العربية، وقد أنجز الشيخ أعمالاً أدبية ضخمة كشفت عنه الظروف مؤخراً وتم إيداعه بدار الكتب والوثائق فى مصر. كذلك روى الشافعى دعم روسيا لمصر فى الصناعات الثقيلة، حتى أن القاعدة الصناعية حتى الآن فى مصر تعتمد على تكنولوجيا تم استيرادها من الإتحاد السوفيتى فى الستينيات.

وفى كلمته أكد الفقيه الدستورى د. يحيى الجمل أن كتاب «صفحات من تاريخ العلاقات المصرية الروسية» ليس مجرد معلومات لكنه ينبض بالحياة التى تعبر عن عمق العلاقات بين البلدين. وأكد الجمل أن الدور الروسى مهم فى بناء السد العالى، الذى لولاه ما تغير وجه مصر بل ولجاعت مصر وغرقت مرتين، معتبراً أن مشروع بناء السد هو رمز دال على قوة العلاقة بين مصر و روسيا. يواصل الجمل كلماته  : «ليس السد فقط هو الشاهد على هذه العلاقة بل أيضاً العلاقات الثقافية هى التى تكون عمق هذه العلاقات» ،  مؤكداً أنه تأثر بالكتاب الروس، حيث كان أحد المحظوظين – كما يصف نفسه – الذين دعوا إلى زيارة أكاديمية العلوم فى موسكو. وروى الجمل كيف أنه زار الكاتب عبد الرحمن الخميسى فى منزله بموسكو رغم أن الخميسى كان معارضاً للحكومة المصرية حينها ولجأ إلى موسكو ، وأثنى الجمل على الخميسى بسبب قصيدته فى رائد الفضاء الروسى «يورى جاجارين» ، وهى القصيدة التى يضمها الكتاب المحتفى به اليوم و أكد الجمل عضو جمعية الصداقة المصرية الروسية على ضرورة تفعيل أنشطة الجمعية والاستفادة من التراث الروسى الثرى وأن تتبنى الأوبرا هذا وتسعى لتفعيل التعاون مع روسيا.

وثمّن الجمل دور الصديق الروسى فى إمداد مصر بالأسلحة فى حرب ( 1973 ) فى الوقت الذى كانت الدبابات الأمريكية تنزل فى سيناء «على الزيرو»   لتحارب بها إسرائيل مصر.

قال د. سعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلى للثقافة أن العلاقات بين مصر وروسيا يرجع تاريخها لأقدم من سبعين عاماً، ولم تكن مجرد علاقات عسكرية فى الستينات من القرن الماضى، لكنها كانت أكثر عمقاً من ذلك وهى علاقات ثقافية تبقى على مستوى الشعوب وليست السياسات فقط.

من جانبه أثنى السفير الروسى «سيرجى كيربتشينكو» على كتاب د. حسين الشافعى «صفحات من تاريخ العلاقات المصرية الروسية» الذى يسلط الضوء على ما جرى بين البلدين من علاقات وتطورات . ووصف السفير الروسى الكتاب «بالخطير»، حيث أنه خصص جزءاً للعلاقات السياسية التى تربط بين البلدين، والشق الأكبر من الكتاب خاص بمشروع بناء السد العالى فى أسوان، والتطورات التى حدثت فى العلاقات بين البلدين بسبب هذا المشروع الضخم الذى غير حياة المصريين، مؤكداً أن الكتاب يؤكد أن العلاقات بين مصر وروسيا شهدت صعوداً وهبوطاً، لكن الكتاب يؤكد وأنا أيضاً يواصل السفير الروسى – أن العلاقات بين البلدين مهمة وأساسية لمستقبلنا. طالب الحضور فى مداخلاتهم بزيادة التعاون بين الجانبين المصرى والروسى، مستشهدين بما حدث فى الإسكندرية من اضطرابات وقتل للأجانب فى وقت سابق ، وكانت سبب النجاة هى أن يقول الأجنبى أنه ”موسكوفى“ أى روسى فلا يتم البطش به. يذكر أن الكتاب يضم وثائق من أرشيف وزارة الخارجية الروسية التى تُنشر لأول مرة، وبيانات أرشيفية عن سفراء الإتحاد السوفيتى فى مصر وسفراء مصر فى الاتحاد السوفيتى الروسى.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*