70 عاماً علاقات دبلوماسية

مرت ما يزيد عن الستة عقود على أكبر قصة كفاح مشتركة بين مصر وروسيا. مرت على أهم وأعظم مشروع شهده القرن 20، خمسون عاما مرت على أكبر تحدي واجهته الإرادة المصرية ضد القيود والممارسات الإستعمارية الأجنبية، مضت على أعظم ما خلفته أواصر الصداقة الروسية المصرية من انجازات، مرت على إنشاء أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين، وفق تصريح المفوضية الدولية للسدود والتي أقرت بعد فحصها ل 125 سد في كافة أرجاء العالم، بإن السد العالي يعد أعظم المشروعات المائية التي أقيمت في القرن العشرين وأن جميع المشروعات المائية التي أقيمت خلال القرن الماضي لا تضاهي هذا الإنجاز الضخم ، كما كشف التقريرالهندسي الذي أعدته هذه المفوضية بأن السد العالي يتمتع بالمتانة والصلابة والقوة لما يحويه من نحو 43 مليون متر مكعب من المواد الأسمنتية وحديد وصخور ومكونات أخري تمثل جسم السد الذى لايتأثر بضغط   المياه أو بأية ضغوط أخرى لاحتوائه على كتل ركامية من الحجارة المتراصة والتي تمنع نفاذ المياه وأيضا لتميزه بالمرونة كما كشف التقرير قدرة السد على مواجهة اي تهديدات أو مخاطر طبيعية، إضافة لقدرته الكبيرة على تصريف المياه حيث بمقدرته أن يصرف 11000 متر مكعب في الثانية الواحدة ويعد ذلك أعلي معدلات التصريف علي مستوي العالم.

ويُعد هذا التقرير وحده أو غيره من التقارير هو المكيال الذي نقدر به قيمة السد العالي بالنسبة للمصريين أو بالنسبة للشريك الروسي المساهم في بناء السد، و الذي وضع كافة إمكانياته لخروج مثل هذا المشروع العملاق للنور، لكن الظروف والعوامل التي بني خلالها السد العالي هي من عظمت من مكانته لكلا الشريكين.

 

بناء السد العالي .. قصة كفاح

قامت القيادة المصرية المتمثله وقتها في شخص الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بمحاولات مضنية للبحث عن مصادر لتمويل بناء السد العالي، فتوجهت بطلب قروض لكلا من البنك الدولي وإنجلترا  وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لكنهم جميعا قابلوا الطلب المصري بالرفض وبصورة مهينة، وحتى بعد قبول جمال عبد الناصر الشروط الأمريكية التي تفرض قيودا على طلب مصر لتنفيذ عملية السد العالي، هذا القبول الذي لم يكن سوى قبولا إستراتيجيا لكي لا يترك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للولايات المتحدة الأمريكية أي ثغرة تبرر بها كلا من واشنطن أوالبنك الدولى وكافة الدول الغربية الأخرى التي توجهت إليها مصر بطلبات قروض تخليهم عن المساهمة فى تمويل بناء السد العالي .

الرفض الأمريكي لتمويل بناء السد

الرد الأمريكي في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية فى  20  يوليو 1956 ليحسم الموقف بالرفض القاطع ، وكان نص هذا الرفض «إن الولايات المتحدة أصبحت مقتنعة بأن الحكومة المصرية ليس فى استطاعتها أن تقدم الدعم المالي المحلى لتمويل السد، لأن تنفيذ هذا المشروع العملاق سوف يفرض على الشعب المصرى تقشفا لمدة تتراوح بين 12 و 15 سنة . ان الشعب المصرى لا يستطيع أن يتحمل ذلك ، ثم إن الحكومة الأمريكية . لا ترغب فى أن تتحمل مثل هذه المسئولية».

آنئذِ لم يتوان جمال عبد الناصر في الرد على الولايات المتحدة الأمريكية وسائر الدول الغربية بإعلانه تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية، وأفصح عبد الناصر عن العرض الذي قدمه الاتحاد السوفيتي وغير المشروط وبعقود طويلة الأجل وذات الفائدة المنخفضة.

العدوان الثلاثى على مصر بعد تأميم قناة السويس

قامت كلا من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956 م، وكانت نتيجته الفشل والتوحد في الصف العربي،فقد قطعت الدول العربية خطوط النفط التى تمر عبر أراضيها والمتجهه إلى إنجلترا وفرنسا إضافة لقيام مصر بإغلاق قناة السويس، مما وضع إنجلترا وشريكتيها فرنسا وإسرائيل في موقف لا يحسدان عليه.

الموقف العالمى والغربى

لم يختلف الموقف العالمي كثيرا عن الموقف العربي حيث احتشدت آلاف من التظاهرات المنددة بالعدوان على مصر في عدد كبير من الدول المستقلة و الدول المستعمرة أيضا، بل وحتى في الدول المعتدية وخاصة إنجلترا وفرنسا وبطريقة أكدت للعالم كله أن الحرب ضد مصر، إنما هي حرب من الدول الاستعمارية ولم تكن بإرادة شعوب هذه الدول .

موقف الاتحاد السوفيتي من العدوان الثلاثي كان الأكثر صلابة، وعُزز بإتفاقية بناء السد العالي ليسطر في سجل التاريخ صفحات خالدة من المجد المشترك مع مصر.

فور قيام إنجلترا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثي على مصر وجه الاتحاد السوفيتي إنذارا بضرورة إيقاف الحرب ضد مصر فورا وكذلك ضرورة الانسحاب من كافة الأراضي المصرية وبأقصى سرعة وإلا سيلجأ الاتحاد السوفيتي لإستخدام القوة النووية ضد هذه الدول، وقد نص هذا الإنذار علي «إن لندن وباريس ليستا بعيدتين عن مدى الصواريخ النووية السوفيتي». كما وجه الاتحاد السوفيتي إنذارا خاصا إلى إسرائيل و وصفها بأنها «تعبث على نحو إجرامى غير مسئول بمصير العالم وبمصير شعبها وتبذر بذور الكراهية لدولة إسرائيل فيما بين الشعوب الشرقية وهو أمر لابد أن يترك آثاره على مستقبل إسرائيل ويشكك فى وجود إسرائيل ذاتها كدولة». ولكن ساهم هذا الموقف في إحراج كلا من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل .

كيف سددت مصر نفقات السد العالي

فى 27 ديسمبر عام 1958، وقعت مصر والاتحاد السوفيتي اتفاقية لتمويل المرحلة الأولى من إنشاء السد العالى والتى شملت البدء فى إنشائه والارتفاع ببنائه إلى أن يتم تحويل المياه إلى المجرى الجديد الذي تم إنشاء خصيصا لهذا الغرض، كما نصت هذه الاتفاقية على أن يمنح الاتحاد السوفيتى لمصر قرضا قيمته 400 مليون روبل أى ما يساوي 34.8 مليون جنيه مصرى- باسعار عدت انذاك غاية في الرخص – لإستيراد المعدات والمهمات اللازمة لبناءالسد العالي، و التى لا تتوفر فى مصر، وكذلك لتغطية نفقات الخبراء السوفيت العاملين في بناء السد وبالطريقة التي يتفق عليه الطرفان، كما نصت هذه الاتفاقية، على سداد مصر للقرض على 12 قسطا سنويا اعتباراً من عام 1964 بفائدة قدرها 2.5 % سنويا.

وفي 27 أغسطس 1960 تم عقد اتفاقية لإتمام تمويل بناء السد العالى، تمنح بمقتضها مصر 900 مليون روبل (78 مليون جنيه مصري) لإستكمال التصميمات وتوريد وتركيب البوابات والبحوث والدراسات وحدات التوليد الكهربائية المائية والمعدات اللازمة لمشروعات الرى وما إلى ذلك من مستلزمات.

كما نص الاتفاق على أن يتم تسديد القرض على 12 قسطا سنويا وبالتساوي تبدأ بعد عام من تاريخ إتمام بناء السد العالى فى وضعه النهائى وإتمام محطة القوى الجاهزة لتوليد حوالي 1 مليون كيلووات على ألا يتأخر ذلك عن أول يناير 1970 .وبالنسبة لبقية الأجزاء المتبقية من المشروع إبتدء من أول عام 1969، فسيتم سدادها بنفس شروط الدفع بعد عام من تاريخ إتمام كافة هذه الأعمال على ألا يتأخر السداد عن أول يناير 1972، وبفائدة % 2.5 تسرى من تاريخ استخدام كل جزء من القرض على أن تؤدى خلال الثلاثة شهور الأولى من العام التالى للعام المستحق فيه الدفع .

قدم الاتحاد السوفيتي لمصر المعونة الفنية والمالية لبناء السد العالي الذي أصبح رمزاً للصداقة المصرية السوفيتية، وفي عام 1960 افتتحت رسميا اعمال بناء سد اسوان العالي. شارك في بناء السد والمحطة الكهرمائية خمسة وثلاثون الف شخص بينهم اكثر من ألفي خبير وإخصائي سوفيتي.

خاص: أنباء روسيا

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*