الغزو الروسي لأفغانستان

كتبت: سارة حسين.

في سبعينات القرن العشرين أصبحت أفغانستان مركزاً للتنافس بين الدول العظمى، فهى قريبة من نفط الخليج العربي، وموانئ المحيط الهندي، وتقع على حدود إيران من ناحية الغرب، وباكستان في الجنوب والشرق، وفي الشمال تشترك في حدودها مع جمهوريات مسلمي آسيا الوسطى التابعة للاتحاد السوفيتي آنذاك. وبالنسبة لموسكو كان وجود أفغانستان كدولة صديقة أمراً حيوياً.

%d8%a7%d9%81%d8%ba%d8%a7%d9%86%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86

  • لمحة تاريخية عن أفغانستان

في عام 1973 استغل محمد داود خان  – رئيس الوزراء الملكي – فرصة غياب الملك محمد ظاهر شاه خارج البلاد وقام بانقلاب على الحكم الملكي رغم صلة القرابة بينه وبين الملك شاه، وأعلن نفسه أول رئيس  جمهوري للبلاد، وقد أدى ذلك إلى نشوب الحرب الأهلية بين مختلف القوى الاجتماعية والسياسية والقومية في أفغانستان.

محمد ظاهر شاه آخر ملوك أفغانستان

محمد ظاهر شاه
آخر ملوك أفغانستان

 وفي عام 1978 قاد حزب الديمقراطي الشعبي الأفغاني ثورة ضد الرئيس محمد داود خان، وقد  أسفرت الثورة عن مقتل الرئيس، وتأسيس دولة أفغانستان الديمقراطية برئاسة نور محمد تراقي، والذي تلقى الدعم من الاتحاد السوفيتي. وأرسلت موسكو مئات المستشارين السوفيت لترويج الاشتراكية، حيث كان معظم الأفغان بلا عمل، كما أن أفغانستان كانت بلداً زراعية؛ فرأت روسيا أن تعطي الأراضي للفلاحين فذلك يمكنهم من العمل بها، ورفع مستوى معيشتهم. وبالفعل كانت تؤخذ الأراضي من ملاكها وتُسلَّم للفلاحين، مما أثار غضب أصحاب الأراضي ونشوب المقاومات والاحتجاجات.

محمد داود خان

محمد داود خان

 ونشطت الحركة اليسارية للمساواة بين الجميع وانتشرت كذلك المبادئ الشيوعية، فالنساء شجعن على الكف من ارتداء الحجاب، وتعليم القراءة والكتابة جنباً إلى جنب مع الرجال. ومن وجة نظر الريف كانت هذه الاصلاحات تهدف إلى تخريب العادات والتقاليد القديمة وتدمير أسس الإسلام، وأدى ذلك إلى غضب الشعب، ومواجهته لمحاولات التغيير بحرق المدارس والجامعات، وفر آلاف من الأفغان إلى باكستان تجنباً للاضطرابات، حيث كانت المقاومة تنمو في سائر أنحاء البلاد. وقد أيدت البلدان الإسلامية حركة المقاومة الأفغانية وعلى رأسها إيران.

  • تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي

رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن النظام اليساري يمثل خطورة على الوضع في أفغانستان وكذلك المناطق الإقليمية، كما أن موسكو من الممكن أن تستغل الأزمة الأفغانية وتتحرك نحو الجنوب لتستولي على نفط الخليج العربي. وازدادت المخاوف الأمريكية بعد انقلاب طهران، حيث أنها خسرت أهم حلفائها.

ولأول مرة عام 1979 قام رئيس أمريكا كارتر بدعم قوات المقاومة الإسلامية في أفغانستان بالسلاح سراً. وعندها واجهتها قوات الجيش الأفغاني، والذي تلقى التدريب على أيدي السوفيت، كما طلبت كابل – عاصمة أفغانستان – الدعم من موسكو بإرسال فصيلة من القوات السوفيتية لحراسة القواعد العسكرية، فهم لم يستطيعوا التغلب على المجاهدين أنفسهم. وظل الجيش الأفغاني يلح على موسكو لإرسال المساعدات، رفضت موسكو مراراً وتكراراً.

جيمي كارتر الرئيس التاسع والثلاثون لأمريكا

جيمي كارتر
الرئيس التاسع والثلاثون لأمريكا

تولى حفيظ الله أمين الرئاسة، ورغم الاضطراب كان أمين مصرا على المضي في الاصلاحات، وشن أمين حملة على الإرهاب واعتقل خصومه وقتلهم. ازدادت المساعدات العسكرية السوفيتية، وأصبحت حكومة أمين تعتمد أكثر فأكثر على العتاد والمستشارين العسكريين السوفيت. ولكن فترت العلاقة بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي عندما تجاهل أمين النصائح السوفيتية بجعل حكومته أكثر استقرارا. وشعر القادة السوفيت بأن أمين يضعف الموقف في أفغانستان. كما دارت الشكوك بأنه عميلاً لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وكذلك حول تورطه في محاولة قتل الرئيس السابق تراقي، فقررت موسكو إقالته.

ووفقا للمكتب السياسي السوفيتي، كان السوفيت يطبقون معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار لعام 1978، التي وقعها الرئيس السابق تراقي، والتي تسمح للاتحاد السوفيتي بالتدخل. واعتقد السوفيت بأن إزاحة أمين ستنهي الصراع الداخلي ويقلص من السخط الأفغاني. وقال السوفيت إن إعدام حفيظ الله أمين تم على يد اللجنة الثورية المركزية الأفغانية.

حفيظ الله أمين رئيس أفغانستان الأسبق

حفيظ الله أمين
رئيس أفغانستان الأسبق

  • العمليات السوفيتية على الأراضي الأفغانية

دخلت القوات  العسكرية أفغانستان من جهة الشمال في 27 ديسمبر، ولكن لم تستطع القوات السوفيتية بسط سلطتها خارج العاصمة كابل. وظل حوالي 80% من مناطق البلاد خارج السيطرة الفعلية لسلطة الحكومة. وكانت المهمة الأولى تتمثل في حماية المدن والمنشآت وكذلك محاربة قوات المسلحين المعارضة للشيوعية. وقد أشارت التقارير العسكرية الأولى إلى الصعوبات التي واجهت السوفيت أثناء القتال في المناطق الجبلية. فالجيش السوفيتي لم يكن معتادا على ذلك الشكل من القتال، فهو لم يحظ بتدريب لمواجهة حرب غير نظامية وحرب عصابات، وقد كانت آليات السوفيت العسكرية وخاصة السيارات المصفحة والدبابات ليست ذات كفاءة في كثير من الأحيان، وعرضة للهجمات في البيئة الجبلية، وتم استخدام المدفعية الثقيلة بشكل مكثف أثناء قتال قوات الثوار، واعتمد السوفيت في هجومهم على الأسلحة الجوية واتبعوا سياسة حرق الأراضي، فدمروا القرى، والبيوت، والمحاصيل، والماشية.

وجد الجنود السوفيت أنفسهم يحاربون المدنيين بسبب التكتيك المراوغ للثوار، فكانوا يكررون العمليات العسكرية في المنطقة نفسها أكثر من مرة، وذلك لأن الثوار كان بإمكانهم العودة إلى مخابئهم في الجبال وإلى قراهم، بينما يعود السوفيت إلى قواعدهم العسكرية، وفشل السوفيت في الخروج من المأزق العسكري والحصول على الدعم والنصرة من شريحة عريضة من الأفغان، أو إعادة بناء الجيش الأفغاني، مما اضطرهم لزيادة التدخل المباشر لقواتهم لقتال الثوار. مما أدى إلى ارتفاع صوت الاستنكار الدولي ضد العمليات السوفيتية في أفغانستان.

جيش الاتحاد السوفيتي

جيش الاتحاد السوفيتي

  • ردود الأفعال الدولية

أشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أن التوغل السوفيتي كان “أكثر التهديدات جدية للسلام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية” كما فرض كارتر لاحقا حظرا على تصدير السلع كالحبوب والتكنولوجيا المتقدمة إلى الاتحاد السوفيتي من الولايات الأمريكية. كما أدى التوتر المتزايد إلى الانزعاج في الغرب بسبب وجود أعداد كبيرة من القوات السوفيتية قريبة من مناطق غنية بالنفط في الخليج.

واستهجن وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة دول المؤتمر الإسلامي الاحتلال السوفيتي وطالبوا السوفيت بالانسحاب أثناء اجتماع إسلام أباد في يناير 1980، كما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بواقع 104 صوت لصالح قرار “يستهجن وبشدة” “التدخل المسلح الأخير” في أفغانستان، ودعت إلى “الانسحاب الكامل للقوات الدخيلة” من البلاد.

وقد كان قيام مجلس الأمن بأي عمل حقيقي أمرا مستحيلا لأن الاتحاد السوفيتي كان يملك حق الفيتو، ولكن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت وبشكل متكرر قرارات تعارض الاحتلال السوفيتي.

  • انسحاب الجيش السوفيتي من الأراضي الأفغانية

في ظل المقاومة الأفغانية، وردود أفعال الدول المضادة للاتحاد السوفيتي، اضطرت موسكو في 14 أبريل عام 1988 للتوقيع على الاتفاقيات الخمس، والتي تتعلق بتسوية الوضع في أفغانستان، وبموجب هذه الاتفاقيات كان على الجيش السوفيتي مغادرة الأراضي الأفغانية مقابل وقف تمويل السلاح للأفغان من قبل باكستان والحكومة الأمريكية. ونفذ السوفيت اتفاقية جنيف لإكتمال الانسحاب السوفيتي حتى عام 1992م ، وعاد إلى الاتحاد السوفيتي فقط 130 جنديا من أصل 417 جندي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*