سكريبال وابنته

تسمم سكريبال: هل هذه ضجة حقيقية أم مصطنعة؟ هل هذا يُعد سببًا كافيًا لطرد الدبلوماسيين الروس؟

كتبت: آية الدسوقي و رنا عزالدين

في الرابع من مارس تعرض “سكريبال” وابنته للتسمم بغاز الأعصاب في مدينة ساليسبري البريطانية، وأدعى الجانب البريطاني أن روسيا متورطة في تسميمه باستخدام مادة A-234، وأصدرت رئيس الوزراء البريطاني “تريزا ماي”  في وقت لاحق بيانًا يؤكد المزاعم التي تفيد بأن هذه المادة قد تم تطويرها في روسيا، وبناءًا على ذلك اتهمت موسكو بالتورط في هذا الحادث، وهكذا قامت بريطانيا، دون أن تقدم أي دلائل بطرد 23 دبلوماسيًا روسيًا، وتوعدت بالمزيد من الإجراءات المعادية لروسيا.

كما قرر عدد من الدول الأوروبية، من ضمنها فرنسا، وألمانيا، وبولندا، ودول البلطيق، وأوكرانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا التضامن مع لندن في قضية سكريبال. لكن وزارة الخارجية الروسية توعدت بأنها لن تقف صامتة إزاء تلك الخطوة غير الودية.

وكانت هيذر ناويرت المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية قد ذكرت في وقت سابق أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها قد اتخذوا قرارًا بطرد 152 دبلوماسيًا روسيًا.

وفي وقت سابق أعلنت الولايات المتحدة طرد 48 دبلوماسيًا من البعثات الدبلوماسية التابعة للاتحاد الروسي، وإغلاق القنصلية العامة في سياتل، وطرد 12 دبلوماسيًا من البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة، كما طردت بريطانيا العظمى 23 دبلوماسيًا، وأوكرانيا 13، كما قرر الناتو طرد سبعة دبلوماسيين من الاتحاد الروسي، ورفض طلبات  ثلاثة آخرين بشأن الحصول على عمل، كما طردت كندا أربعة دبلوماسيين، ثلاثة منهم لم يسمح لهم بالعمل في البلاد. وقامت كل من ألمانيا وفرنسا وبولندا بطرد أربعة دبلوماسيين، ومولدوفا وجمهورية التشيك وليتوانيا ثلاثة دبلوماسيين من الاتحاد الروسي.

“تريزا ماي” ترحب بقرار “ترامب” بخصوص ترحيل 60 دبلوماسيًا روسيًا من الولايات المتحدة الأمريكية

صرح مكتب رئيس الوزراء البريطاني  بأن “تريزا ماي” قد أجرت يوم الأربعاء الموافق 28مارس محادثات  تليفونية مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية “دونالد ترامب”. وخلال هذه المكالمة رحبت “ماي” بقرار ترامب بخصوص طرد 60 دبلوماسيًا في قضية تسميم الكولونيل السابق لمديرية المخابرات الرئيسية (جهاز استخبارات عسكرية خارجية في روسيا الاتحادية) “سيرجي سكريبال” وابنته. كما لم يستبعد سفير الولايات المتحدة الأمريكية في روسيا إيقاف النشاط الروسي في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب “قضية سكريبال”.

نقلت وكالة برايم الإخبارية الروسية، أن 9 دول فقط من بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ عدد أعضائه 28 دولة، لم تقرر طرد الدبلوماسيين الروس بسبب  قضية سيرجي سكريبال، في حين أن رد فعل الجانب الآخر من الكرة الأرضية يوم الخميس جاء غير متوقع، فقد قررت نيوزيلندا حظر دخول الدبلوماسيين الذين طُردوا من البلدان الأخرى إلى بلادها.

استطاعت رئيس الوزراء البريطانية أن تضم إلى جانبها 23 دولة من أوروبا، وأمريكا الشمالية، وأيضًا أستراليا. .

وهاهي قائمة الدول الحالية التي قامت بطرد الدبلوماسيين الروس: بريطانيا (23) دبلوماسيًا، أوكرانيا (13) دبلوماسيًا، كندا (4)، ليتوانيا (3 ) السويد (1)، فنلندا (1).  كما طردت كل من بلجيكا، هنغاريا، السويد، كرواتيا، رومانيا، إستونيا، أيرلندا، النرويج، مقدونيا دبلوماسيًا روسيًا واحدًا، و مونتينيغرو، وقامت لاتفيا بطرد دبلوماسي وموظف في شركة إيروفلوت. وكذلك قررت كل من إسبانيا، وهولندا، والدنمارك، وإيطاليا، وألبانيا، وأستراليا ترحيل الدبلوماسيين الروس من بلادها ، فضلاً عن فرنسا، وألمانيا، وبولندا، وجمهورية التشيك، ومولدوفا.

ومن الجدير بالذكر أن نصف بلدان أوروبا لاتوافق على حجج بريطانيا المزعومة بشأن تورط الكرملين في تسميم الجاسوس الإنجليزي سيرجي سكريبال.

ومن الممكن أن تتسع القائمة لأكثر من ذلك، إلا أنه هناك دول أخرى وجهت النقد لإجراءات بريطانيا المتشددة وهي: بلجيكا، النمسا، سويسرا، اليونان، مالطا، قبرص، سلوفاكيا، بلغاريا، البرتغال، سلوفينيا، تركيا.

وقال رئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتز: “نحن نؤيد الإعلان الواضح للمجلس الأوروبي وقراره بشأن سحب سفير الاتحاد الأوروبي من روسيا. لكننا كدولة محايدة، لن نطرد أيًا من الدبلوماسيين، فنحن نريد أن يكون هناك جسر بين الشرق والغرب، وأن تظل مجالات التفاوض مع روسيا مفتوحة”.

كما أظهرت البلدان الأرثوذكسية تضامنها مع روسيا كاليونان وقبرص وبلغاريا. وقد كرر “ألكسيس تسيبراس” رئيس الوزراء اليوناني حجة البلجكيين والنمساويين حول الحفاظ على “قنوات الحوار” مع موسكو، وأوضح أنه سيكون من الأفضل أن ننتظرانتهاء تحقيق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قبل التسرع في التوصل إلى “استنتاجات نهائية”.

أعلن المتحدث الرسمي باسم حكومة قبرص “برودروموس برودرومو” رفضه بشأن ترحيل أعضاء السفارات الروسية إلى بلادهم.

هذا وقد أشار رئيس وزراء سلوفاكيا “بيتر بيلجريني” في البرلمان  إلى أن طرد الدبلوماسيين الروس نتيجة هذه التهم ليس بالشيء الكافي. وقال “بيلجريني” في المجلس الوطني لوزارة الشئون الخارجية البلغارية ” أن سلوفاكيا ستظل مقتنعة أن روسيا وراء هذا الهجوم…لكننا لن نتسرع في طرد الدبلوماسيين الروس”.

وأما تركيا لم تبد أي تعاطف تجاه الغرب. كما صرح “بكر بوزداغ” نائب رئيس وزراء تركيا قائلًا: “في الوقت الحالي توجد علاقات جيدة وإيجابية بين تركيا وروسيا. ولا تعتزم تركيا أن تتخذ أي إجراءات ضد روسيا”.

فمن بين العواصم الأوروبية المدرجة، فإن أنقرة لديها حافز أقل للوقوف بجانب هؤلاء الذين يمدون الأكراد بالسلاح في سوريا، وينتقدون سياسة أردوغان الداخلية والخارجية. وكذلك يأخذ الأتراك بعين الاعتبار المشاريع التركية الروسية المشتركة مثل: محطة الطاقة النووية “أكويو” وخط الأنابيب التركي، كما أن موسم العطلات قد اقترب وستدفق أعداد هائلة من السياح الروس إلى هناك.

والجدير بالذكر أن الصين وبعض الدول الإفريقية دعمت موقف روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما أنهم دعوا إلى إجراء تحقيقات محايدة في الحادث في مدينة ساليسبري البريطانية.

ناشدت الصين جميع الأطراف المعنية للتخلي عن عقلية الحرب الباردة فيما يتعلق بقضية ضابط المخابرات الروسي السابق “سيرغي سكريبال”، والتركيز على اكتشاف الحقيقة حول الحادث. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “جينغ شوانغ”، اليوم الثلاثاء 3 أبريل “لقد لاحظنا أن الأطراف لم تتوصل بعد إلى نتيجة يمكن للجميع الاتفاق عليها. اتخذت روسيا إجراءات مناسبة؛ ردًا على طرد الدبلوماسيين الروس من قبل بعض الدول والمنظمات الدولية”.

قالت صحيفة أمريكية إن رياح الدعم الشعبي للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قد جرت على عكس ما اشتهت دول الغرب.

وأكدت صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية في تقرير لها “أن أبسط مواطن روسي أصبح على يقين من عدم قدرة بريطانيا على تقديم أي دليل قاطع حول قيام روسيا بمحاولة قتل العميل السابق “سيرغي سكريبال”، وأن ما يجري ببساطة هو عدوان غربي ضد الرئيس الروسي”.

وذكر تقرير الصحيفة أن مباريات كأس العالم روسيا 2018 كانت هي الموضوع الرئيسي هذا الأسبوع في مدينة نيجني نوفوغورد التي تعد إحدى أكبر خمس مدن في روسيا.

ونقلت الصحيفة عن سكان المدينة تأكيدهم أن هذه الصراعات لا يمكنها أن تستمر إلى الأبد، حيث ستهدأ هذه “الحرب الدبلوماسية” وسيمتلئ ملعب كرة القدم المشيد حديثًا على ضفاف نهر “فولغا” الشهير بمشجعي كرة القدم، القادمين من جميع أنحاء العالم.

ويذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونينو غوتيريش”، قد وصف وضع العلاقات الحالية بين روسيا والولايات المتحدة بأنه قريب من حالة “الحرب الباردة”.

رد فعل الجانب الروسي على تلك التكهنات والادعاءات

أما الجانب الروسي قد نفى، بشكل قاطع، جميع تلك التكهنات، مشيرًا إلى عدم وجود برنامج لتطوير مادة  A-234 في روسيا. وقام بترحيل عدد مماثل من الدبلوماسيين البريطانيين من السفارة، كما تقدم بطلب إغلاق القنصلية البريطانية العامة بسانت بطرسبرج، ووقف نشاط المجلس البريطاني في روسيا كرد فعل على ما أقدمت به بريطانيا.

كما أدلت “ماريا زاخاروفا” المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، بتصريح أعلنت فيه أن روسيا تستعد للرد المناسب على قرار الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه، أشارت إلى أن موسكو طلبت بيانات من السفارتين الأمريكية والبريطانية حول “قضية سكريبال”، التي تحدث عنها “جون هانتسمان” السفير الأمريكي في روسيا.

وأعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، يوم الثلاثاء 3 أبريل، أن المادة السامة التي استخدمت في تسميم العميل البريطاني “سيرغي سكريبال” يمكن صناعتها في 20 دولة. وأضاف، “غدا نعقد دورة اللجنة التنفيذية للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية من أجل تحليل هذا الوضع بأكثر الطرق تفصيلاً. ووضعنا على الأقل 20 سؤالاً للمناقشة، ونأمل أنه خلال هذه المناقشة، سيتم وضع النقاط الفاصلة فيما حدث”.

وفي وقت سابق من اليوم أكد مدير مختبر الأبحاث البريطاني السري “بورتون داون”، في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز”، أن خبراءه فشلوا في تحديد مصدر منشأ المادة الشالة للأعصاب التي – وفقا للمزاعم البريطانية – استعملت في تسميم “سيرغي سكريبال” وابنته.

كما استبعد المندوب الدائم الروسي لدى الاتحاد الأوروبي “فلاديمير تشيجوف”، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضد روسيا بسبب هذه القضية. كما أعلن مندوب روسيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ألكسندر شولغين، أن عقد الجلسة الاستثنائية يوم 4 أبريل لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو محاولة لإخراج الوضع حول “قضية سكريبال” من المأزق. وقال شولغين لقناة “روسيا-1”: “نحن مستعدون للحوار المفتوح، والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وبصراحة، لهذا السبب نحن ندعو للجلسة الاستثنائية يوم 4 أبريل للمنظمة من أجل القيام بمحاولة أخرى لإخراج الموقف من المأزق الذي يضعه البريطانيون”.

 فرضية جديدة وراء تسمم سكريبال

تشتبه الشرطة البريطانية بأنه تم تسميم العقيد السابق في الاستخبارات الروسية “سيرغي سكريبال” وابنته “يوليا” عن طريق الحنطة السوداء، والتي احتوت على مادة A-234 السامة.

وكان “سيرغي” قد طلب من ابنته “يوليا” عند وجودها في روسيا أن تجلب له الحنطة السوداء، وأوراق الغار، وبعض البهارات، ولكن يوليا نسيت، طلبت من صديقة لها أن تحضرهم معها عند قدومها إلى بريطانيا.

والجدير بالذكر أن صديقة “يوليا” تعمل في شركة طبية كبيرة، ولا تستبعد الشرطة أن المادة السامة وجدت داخل الحنطة السوداء، وفي الوقت نفسه، يعتبر الخبراء أن نقل المادة السامة على متن الطائرة لا يمكن دون أن يلاحظها أحد.

وأكد الخبير العسكري “إيغور نيكولين” ، العضو السابق في لجنة الأسلحة البيولوجية التابعة للأمم المتحدة، أن فرضية نقل المادة A-234 السامة في حقيبة سفر غير ممكنة، بسبب رائحتها الحادة والقوية وأثرها الفوري، الذي يقتل في غضون دقيقتين إلى ثلاث.

وذكرت وسائل الإعلام أن ابنة العقيد السابق في الاستخبارات الروسية “سيرغي سكريبال”: “أن “يوليا” قد تحسنت حالتها الصحية، حيث إنها بدأت بالأكل والشرب في المستشفى، ولكن لاتزال حالة والدها “سيرغي سكريبال” حرجة وغير مستقرة”.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*