الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي

رسالة من مصري محب لـ”المغرب”… أنسيتم الأمير “الخطابي” وبكاء الملك “فاروق”؟

بقلم – عمرو عيسى

رسالة من قلب محب لبلاد المغرب العربى، فبمناسبة هزيمة المغرب في مباراة كرة قدم مع مصر، فهذا لا يمنع أن المغرب مصنع للأبطال والرجال، فمنها خرج مجاهدوا دولة “المرابطين” إلى الأندلس، ومنها أبحرت قوات دولة “الموحدين” إلى أوروبا، وقبلها أخرجت الأرض “طارق بن زياد”، وعندما قررت الدول “الإستعمارية” تقسيم العالم الإسلامى ظهر أبطال من جميع أنحاء الوطن العربى ولكن من بين هؤلاء الأبطال أستوقفنى كثيراً ذكر هذا البطل و”أسطورة المغرب” الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي فمن منكم يعرف هذا الأسد والبطل المغوار.

تعالوا معى لأقص عليكم أحبابي قصة هذا البطل الذى لا تبتعد عنا إلا فقط بعشرات السنين، فهذا البطل الذى قال عنه الثائر الشيوعى “تشى جيفارا “: “أيها الأمير … لقد جئت إلى القاهرة خصيصا لكى أتعلم منك”، وقال عنه السير كورتى عضو مجلس العموم البريطانى 1921، “إن هذا الرجل الذى ينادى باسمه أهل آسيا وأفريقيا والهند ويتغنون باسمه، إن هذا الرجل الذى يقاتل باسم الإسلام ويعيد إمارة المؤمنين والخلافة الإسلامية، إنه لخطر عظيم على البلاد الأوربية”.

وقال عنه الصحافي الأمريكي فانسن شون 1926،  دخلت على عبد الكريم في خندق أمامي، والطائرات الإسبانية والفرنسية تقذف المنطقة بحمم هائلة فوجدته مبتسما مرحا يضرب ببندقيته البدائية الطائرات، فتعجبت من هذه الظاهرة البشرية الغريبة”.

هذا الرجل ابن الشيخ “عبد الكريم الخطابي” شيخ قبيلة الأمازيغ البربر بالمغرب الذي تربى تربية صالحة منذ نعومه أظافره، فحفظ القرآن الكريم وتعلم العربية وعلوم الحديث والفقه وأنهى تعليمه الجامعى في جامعة القرويين فى مدينة فاس ليصبح بعد ذلك قاضى القضاة فى مدينة، “مليلية” المغرية وذلك في الوقت التي كانت بلاد المغرب العربى تمر بظروف الحرب من قبل الدول “الإستخرابية” الإستعمارية إسبانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا فاستطاع هذا البطل المجاهد بعد قتل أبيه وسجنه أن يكون جيشا من رجال الريف المغربي من ثلاثة آلاف مقاتل وقام بتجميع القبائل المتناحرة على راية الإسلام للتصدى للجيوش الفرنسية والإسبانية وحاربهم لمدة عشرون عاما وكان هو أول من استخدم فى التاريخ العالمى الحديث بما يسمى “حرب العصابات” وبعده استخدم ثوار العالم هذا الفن العسكرى القائم على فنون المباغتة والكر والفر فاصبح نظام قتال عالمى احتفظ هو بعلامته القتالية المسجلة عالميا.

يعد الأمير “محمد عبد الكريم الخطابى” وهو أول من ابتكر نظام آخر في المقاومة وهو حفر الخنادق الممتدة حتى ثكنات العدو الذى أقتبسه وأعترف به بذلك الزعيم الفيتنامى “هوشيمنه” فى مقامته ضد الأمريكان بعد ذلك بعشرات السنين!! ولمّا توالت هذائم وخسائر الأسبان فى الريف المغربى أرسل ملك أسبانيا “ألفونسو الثالث” جيشا مكون من 60 ألف مقاتل تحت قيادة الجينرال “سلفسترى” أمام جيش لا يتعدى 3 ألآف مقاتل تحت قيادة الأسطورة البطل “محمد بن عبد الكريم الخطابي” فى معركة ” أنوال الخالدة ” التى قلّما يسمع البعض منا عنها، ويسميها الإسبان إلى يوم الناس هذا بـ ” كارثة أنوال ” أستطاع فيها البطل المغوار من هذيمة الجيش الإسبانى بأثره ولم يتبقى منهم الا 600 جندى أسبانى فروا كالكلاب الفزعة إلى إسبانيا ليقصوا أهوال ما رأوا فى الريف المغربي، ثم بعد ذلك أسس الأمير الخطابي “إمارة الريف الإسلامية” فى شمال المغرب واستطاع توحيد صفوف القبائل المتناحرة تحت راية واحدة وبعد هذه الصحوة الإسلامية ولمّا أحست دول أوربا بالخطر فى أن ذلك لو استمر وانتشر لقلب موازين الأمور وغير مجرى التاريخ فكونوا تحالفا من نصف مليون جندى أوربى بدباباتهم وطائرتهم وبوارجهم الحربية، ليحاربوا به 20 ألف مجاهد مسلم فقط وقفوا كرجل واحد لمحاربة الإستعمار.

ولكن هل استسلم البطل الأمير “محمد بن عبد الكريم الخطابى” لكثرة عدد وعتاد الغزاة.. كّلا وألف كلاّ بل كانت المفاجأة الكبرى! إنتصار المجاهدون المغاربة فى كل المعارك التى خاضوها ضد جيوش أوربا المتحالفة ولم يستسلم البطل وعندما عجز الأوربيين من هزيمة المغاربة مع كثرة العدد والعتاد فلجأوا لحيلهم الخبيثة فى شراء بعض الذمم من شيوخ الصوفية المبتدعة بتحريم القتال مع “الخطابى” ثم بعد ذلك قامت الجيوش الطائرات الإسبانية والفرنسية بإلقاء الأسلحة الكيماوية والغازات السامة على المدنين ولم يتبق من جيش الخطابى سوى 200 مقاتل عاهدوا الله على الشهادة ولمّا يأس الجيوش الأوربية من هذيمتهم فلجأوا إلى أسلوب قديم حديث وهو طلب التفاوض مع الأمير الخطابى وإعطائه الضمانات الموثقة على سلامة كل المسلمين وإتاحة الحرية وسبل العيش الكريم ولكن كاعادتهم نكصوا المواثيق والعهود وقاموا بخطف الأمير ونفيه إلى جزيرة فى مجاهل المحيط الهندى، ليس لسنة أو سنتين، بل لعشرين عاما متصلة قضاها هذا البطل فى أسر دعاة حقوق الإنسان ، فى أسر من خرجوا للعالم بشعار الثورة الفرنسية!! ولكن سبحان الله وبتديبر عجيب عندما أعلن ملك المغرب محمد الخامس عام 1947 عن استقلال البلاد أرادت فرنسا بالظغط على المغرب بورقة ” الخطابى” فقررت فرنسا جلب الأمير الخطابى إلى باريس من الجزيرة التى كان منفى فيها عبر سفينة تمر بقناة السويس المصرية وبعد أن أرسل مجاهو فلسطين ببرقية سرية لعبد الرحمن عزمى باشا أول أمين لجامعة الدول العربية عام 1947 وجاء فيها (عاجل وسرى للغاية .. لقد نزلت بميناء عدن اليوم سفينة تحمل على متنها شيخا أسيرا مكبلا بالسلاسل، يشتبه أن يكون هو البطل الأسلامى الأسطورى الذى أختفى منذ عشرين عاما … والسفينة فى طريقها الان إلى فرنسا وستمر غدا بميناء بور سعيد المصرى . لذا وجب التنبيه !ّ ) وهنا يظهر اسم مصر … مصر … مصر!! فقام عزام باشا بإخبار الملك فاروق الذى أصدر قرارا مباشرة إلى الضباط المصرين باعتراض تلك السفينة وإحضار ذلك الشيخ إلى القصر الملكى فى القاهرة للـتأكد من هويته، وبعدها بأقل من أربعة وعشرون ساعة أحضر ضباط الجيش المصرى إلى الملك شيخا بلحية بيضاء كالثلج يمشى بخطوات ثابتة رغم بطئها، تبدو من قسمات وجهه الغائرة مظاهر للعظمة والسمو لا يخفى على أحد، يلبس لباسا أبيض غاية فى البساطة، وتظهر على يديه وساقيه الهزيلتين علامات لسلاسل وأغلال وكأنها نحتت فى جلده نحتا، فلما اصبح هذا الشيخ بين يدى الملك فارق سأله ملك مصر عن هويته فرفع الشيخ الكبير رأسه ونظر نحو الملك بعينين كعينى الصقر الجارح ثم قال بكل شموخ وثقة “أنا الأمير بن عبد الكريم الخطابى” فقربه الملك وقبل رأسه وبكى بكائا شديدا وعاش الشيخ البطل محمد بن عبد الكريم الخطابى فى مصر إلى أن توافه الله وقام محمد بن عبد الكريم الخطابي فى خلال فترة إقامته بالقاهرة بالدعوة إلى استقلال كل المغرب من الحماية الإسبانية والفرنسية، كما ساند انطلاقا من راديو صوت العرب الناصري جميع الحركات التحررية في كل البلاد تونس، ليبيا، وباقي الدول العربية.

لم يقبل المناصب ولا المنح ولا الأموال. رصد له البرلمان الهندي منحة خاصة لمساندته الحركات التحررية ورفض الحصول عليها، إلى أن توفاه الله في القاهرة بمصر، في 6 فبراير 1963، أي بعد تحرير واستقلال المغرب من الحماية الإسبانية والحماية الفرنسية، ولا يزال يعتبر إلى الآن بطلا قوميا في المغرب وكأحد رموز التحرير في دول الجنوب ككل، وقد دفن في مقبرة الشهداء بالقاهرة. فرحم الله الشيخ الأسد المغوار .. فالشكرموصول لشعب المغرب العربى العظيم على إنتاج مثل هذه الأبطال والشكر موصول لشعب مصر العظيم على دعم و رعاية وحماية كل أبطال الوطن العربى!، فعاشات مصرا والمغرب وطنين متحابين جنودا وأبطالاً وشعباً واحدا.

مقتطفات من كتاب 100 من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ للكاتب والشاعر الفلسطينى جهاد التربانى.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*