هزيمة الإمبراطور نابليون بونابرت أمام الجيش الروسي

كتبت: سارة حسين.

حلم الإمبراطور الفرنسي بالسيطرة على أوروبا لتكوين إمبراطورية أوروبية فيها حكومة واحدة، وعملة واحدة، وقانون مدني واحد يضمن حماية حقوق المواطن العادي. ووقفت كلاً من روسيا وإنجلترا عقبة أمام تحقيق حلمه هذا. فقرر بونابرت التحالف مع القيصر ألكسندر الأول حاكم روسيا، ليصب اهتمامه على مواجهة إنجلترا فقط. وبالفعل تم التحالف بينهما وقطعت روسيا علاقتها التجارية ببريطانيا العظمى لإفلاسها، حتى ساءت الأحوال الاقتصادية في الأسواق الروسية، وقرر ألكساندر التخلى عن هذا التحالف لصالح بلاده. ومن هنا فكر بونابرت في الحرب ضد روسيا، ليجبر القيصر على الاتفاق مرة أخرى.

  • خطة روسيا

أبادت خطة روسيا الجيش الفرنسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد كان الجيش الروسي تحت قيادة الجنرال باركلي دي تولي، الذي اتبع سياسة الهروب المستمر، حيث تركت روسيا المجال مفتوحاً أمام القوات الفرنسية وانسحبت القوات الروسية من مدينة فيتبسك، وسمولينسك، وموسكو، مدمرين جميع المدن، التي يمر بها الجيش الفرنسي حتى لا يجد ما يحصل عليه من مؤن أو غيره من المغانم، وتُستنفذ قوته تدريجياً.

حلم القائد بونابرت بالوصول إلى مدينة سمولينسك الروسية بالقليل من الخسائر، ولكن الفرنسيين لم يصلوا إليها فقط بل استولوا عليها بشكل تام بعد أن استمرت المعارك الطاحنة بين الجيشين لمدة ثلاث أيام حتى هرب الروس.

وقد كان استمرار البقاء بالمدينة أمراً غير مجدٍ، والمضي قدماً كان أمراً مخيفاً كذلك بالنسبة للفرنسيين. ولكن القوات قررت أن تستمر أملاً في الاستيلاء على البلاد. والجدير بالذكر أنهم لم يجدوا شيئاً أثناء سيرهم فالمدن فارغة، وبالتدريج نفذت المؤن وعندها أصيبوا بالذعر.

  • نيران روسيا

بالرغم من أن ضغوط الجيش الروسي تسببت بإرهاق الفرنسيين وموت العديد منهم جوعاً، استمرت القوات الفرنسية في مواصلة التقدم حتى وصلت إلى العاصمة موسكو. فقام الروس بحرق مدينتهم بأنفسهم؛ تم حرق المنازل، والمحلات التجارية، والشوارع، والمحاصيل. وقد كتب نابليون ” تحولت موسكو إلى بحر من النار، وقد كان النظر من شرفة الكريلمين يذكرني بنيرون، الذي حرق روما، ولكنني لا أشبهه، فعندما وقعت عيناي على هذا المشهد نزف قلبي”.

ولم يتلق نابليون أى رد من القيصر ألكساندر على التحالف بينهم، والذي قد أرسل به جنوده قبل حريق موسكو بوقت قليل، فالقيصر لم يكن يريد التحالف مع فرنسا، وترك أمر تقدم الجيش الفرنسي وعدم استسلامه لفصل الشتاء القارص.

  • العوامل الجوية

بدأ الثلج يتساقط من سماء موسكو، وأراد نابليون أن يتوجه إلى مدينة سانت بطرسبورج حيث يقيم القيصر الروسي، ولكن جنراله نصحه بألا يفعل ذلك، فالمسافة بعيدة جداً. وبعدها قرر نابليون مغادرة موسكو، فلا يمكن انتظار موافقة القيصر على التحالف أكثر من ذلك. وتوجه الفرنسي بونابرت إلى الأماكن الأكثر دفئاً جنوب غرب روسيا، ولكن القوات الروسية لم تتركه يرحل هكذا في سلام، وقام الجيش الروسي بمهاجمة نابليون سعياً للانتقام، وقد أغلق الشتاء الروسي طريق العودة إلى فرنسا.

استمر جيش ألكساندر في طعن الفرنسيين والتخلص منهم واحدًا تلو الأخر، وفي هذا الوقت تمكن بونابرت من الهروب إلى نهر بريزينا، تتبعته القوات الروسية وقامت بتدمير الجسر الوحيد الذي يعبر هذا النهر. أحرق بونابرت جميع ما لديه من أوراق شخصية خوفًا من الوقوع في الأسر، وفجأة فكر في رسم خطة جريئة، وهي وضع جسرين على النهر لينقذ كل جيشه. وأمر ماتبقى من الجنود ببناء الجسرين من الخشب.

 تنبه الروس إليهم، وأخذوا يقصفون الجسرين بالنيران، اختل النظام وتراكم الرجال فوق بعضهم البعض لعبور النهر، سقط الجسران مرتين ثم أُعيد بناؤهما، ووقع الآلاف في المياه الباردة وغرقوا، ويقال أن الجثث المجمدة سدت  نهر بريزينا لعدة أسابيع. ولكن تم إنقاذ خمسة وعشرين ألف جندي.

  • نهاية نابليون

نجا نابليون من بريزينا وخرج من المصيدة الروسية، لكن مشاكله لم تنتهي بعد، وصلت أنباء من باريس عن محاولة انقلاب لإسقاط الإمبراطور نابليون، نصحه الجنرالات بالتوجه فورًا إلى فرنسا، فانطلق في رحلة تسعمائة ميل إلى باريس، كان يعلم بأهمية وصوله إلى هناك قبل أن تُشاع في أوروبا أنباء عن هزيمته النكراء. فقد يستغرق الأمر أربعة أشهر قبل أن يتمكن الجنود من فتح طريق العودة إلى فرنسا عبر روسيا. تكبدت فرنسا ثمنًا باهظًا لاعتقاد نابليون بأنه يستطيع غزو روسيا، وقد اعترف بذلك فيما بعد فقال: لقد خُذلت وخذلت نفسي.

شكلت الحملة الروسية الفاشلة بداية النهاية لنابليون، وتحطم حلمه في أن يصبح إمبراطورًا على أوروبا الموحدة، أما القيصر الروسي ألكسندر الذي لم يعد صديقه فقد هاجم فرنسا ودمر إمبراطورية نابليون. حشدت روسيا وإنجلترا قواتهما مرة أخرى مع باقي أوروبا، وأخيرًا هُزم نابليون في معركة “ووتر لو” عام 1815، وقد تم نفيه إلى جزيرة “سانتا إيلينا” في جنوب الأطلسي بعيدًا عن أوروبا، ولم يتمكن من رؤية عائلته أو بلاده مرة أخرى إلى أن مات وحيدًا عام 1821.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*