رسالة دكتوراه تناقش مكانة الجريمة والعقاب في النقد الروسي المعاصر

نوقشت بكلية الألسن جامعة عين شمس أطروحة دكتوراه تحت عنوان رواية الجريمة والعقاب لدستيوفسكي .. في النقد الروسي المعاصر المقدمة من الباحثة همت الشاذلي الباحثة بقسم اللغة الروسية واستخدمت الباحثة منهج ”نقد النقد“  لتحليل الرواية تحليلا موضوعيا خلال فترة صدور الرواية وتعرض النقد السوفيتي لها ، وصدى الرواية في النقد المعاصر ، وحتى فترة ما بعد البيروستريكا ودراسة القضايا الأخلاقية والاجتماعية والدينية والفلسفية وملامح الشخصيات وخصائص الرواية والتقنيات الفنية التي استخدمها المؤلف وآراء النقد حولها . ومنهج نقد النقد له وظيفة مزدوجة حيث يقوم بقراءة العمل الأدبي وتحليل النص النقدي ودراسة المؤثرات المختلفة التي دفعت الناقد إلى تبني منهج نقدي دون سواه . من أجل إقامة علاقة جديدة بين النص والقاريء والنقد المكتوب عنه .

وقدمت الباحثة في الفصل الأول من الأطروحة لمحات من حياة دستيوفسكي ومساره الإبداعي في إطار الحركة الأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث ترجم في البداية عددا من الروايات الفرنسية ثم بدأ بكتابة مجموعة من القصص وجاءت أولى رواياته تحت عنوان ” الفقراء ” عام 1845، التي كانت مرآة لحياة الإنسان البسيط ، وناقش العديد من القضايا الاجتماعية المطروحة في ذلك الوقت .ثم توالت أعماله مثل : ” المساكين“ 1846 ، و ”قلب ضعيف“  1848 ، والليالي البيضاء في نفس العام . ثم انقطع عن الكتابة فترة عشرة أعوام قضاها في المنفى .

واستأنف نشاطه الأدبي بإصدار جريدة  ”فريميا“ 1861 – 1863 ، والتي كشفت موهبته في النقد الأدبي . ونظر إلى المشكلات الاجتماعية في ذلك الوقت نظرة مغايرة ، ويرى أن حلها يكمن في الرجوع إلى الله ، وأن يتحلى بالقيم الإيجابية والمحبة والتسامح . ثم تجسدت النزعة الفلسفية لديه في عدد من الروايات اللاحقة مثل : الجريمة والعقاب 1866 ، والشياطين 1871 ، والمراهق 1875 ، والأبله 1875 ، والأخوة كارامازوف 1879 .

وتناولت الباحثة البيئة الإبداعية لرواية  ”الجريمة والعقاب“  ، فلقد كتبها المؤلف بعد انهيار النظام الإقطاعي ، وإصدار قانون ينص على تحرير الفلاح عام 1861 ، وقيام الإصلاحات في روسيا التي كان لها تأثير كبير على الشعب الروسي في ذلك الوقت . فعلى الرغم من مميزات النظام الجديد إلا أن له العديد من الآثار السلبية ومنها انتشار الفقر والجريمة خاصة وسط الشباب . وبذلك عكس الكاتب أحداثًا اجتماعية واقعية تحدث في المجتمع الروسي آنذاك ، حيث تعد الرواية مرآة حقيقية للواقع الروسي في تلك الفترة .

إلى جانب ذلك كان لهذه الرواية تأتير كبير على الأدب العالمي ، بما في ذلك الأدب العربي، وظهر ذلك في أعمال الكاتب المصري نجيب محفوظ (1911- 2006).

كما ناقشت الباحثة علاقة الجريمة بالقضايا الاجتماعية ، والفلسفية ، والأخلاقية ، والدينية . فأبطال الرواية أمثال أسرة راسكولينكوف وعائلة مارميلادوف كانوا يعانون من اليأس والعذاب والفقر . مما دفع راسكولنيكف إلى قتل المرابية العجوز وأختها . ولكن من الواضح أن هذه الأسباب ظاهرية فقط ، فهناك دوافع أخرى فلسفية جعلته يقدم على تلك الجريمة ، وتتلخص في نظريتة الخاطئة التي يسعي إلى تحقيقها ، حيث قَسَّم راسكولنيكف البشر إلى قسمين : الناس العاديون ، وهم الذين يجب أن يطبق عليهم القانون إذا أخطأوا .

النوع الثاني هم الاستثنائيون أو غير العاديين ، وهذه الطبقة يحق لها ارتكاب الجرائم وسفك الدماء تحت شعار الحفاظ على الجنس البشري ، مثل نابليون وآخرين الذين يغزون حتى الآن العديد من الدول لتحقيق انتصارات ومآرب شخصية دون أن يقعوا تحت طائلة القانون .

ومن الأفكار المغلوطة لدى الكاتب أنه اتهم سيدنا محمد ( صلى الله عليه سلم ) بأنه نشر الإسلام بحد السيف . وقد جاء هذا الكلام على لسان بطل الرواية راسكولنيكف ، الذي اعتبر النبي محمد (صلى الله عليه سلم) من طبقة غير العاديين ، ونحن لا نتفق نهائيًا مع وجهة. كما حظيت الرواية باهتمام كبير من جانب النقاد على مدى قرن ونصف من الزمان ، وقد انعكس هذا الاهتمام في الأبحاث العديدة التي تناولت الرواية بالنقد والتحليل .

وقد تباينت مواقف النقاد من الرواية . ويتضح هذا التباين في الأعمال التي تناولت الرواية عند ظهورها والأعمال التي تناولتها في الحقبة السوفيتية وكذلك في النقد الأدبي الروسي المعاصر .

فنجد أن النقاد المعاصرين للكاتب استقبلوا الرواية بالرفض . إلا أننا في الوقت نفسه نجد بعض النقاد وقت ظهور الرواية قاموا بالدفاع عن الكاتب . كان من بين المعارضين الناقد الروسي جـ . ز. يليسييف (1821- 1891) الذي رأى من وجهة نظره أن الكاتب قد اتهم جميع الطلاب بارتكاب الجرائم من أجل الحصول على المال ، مستشهدًا بفقرة من الرواية جاء فيها الحديث عن جريمة القتل على لسان طالب .

ولم تكن علاقة النقاد في العصر السوفيتي برواية  ”الجريمة والعقاب“  على وتيرة واحدة ، فنجد أنه في عشرينيات القرن العشرين تم تقييم الرواية بشكل سلبي مؤكدين أن المبادئ التي دعا إليها الكاتب من تطبيق القيم الدينية ورفضه للثورة كسبيل لإصلاح المجتمع من أهم تناقضات الرواية . ونتج عن ذلك تحريف الرواية . ومن الثلاثينيات حتي الخمسينيات مُنِعَتْ أعمال دستيوفسكي من النشر بشكل عام . ومنذ بداية الستينيات عاد النقاد لدراسة إبداع ف.م.دستيوفسكي ولكن علي أساس يتوافق مع ظروف المجتمع آنذاك ، وتناولوا الرواية من الجانب الاجتماعي والفلسفي والفني ، وتجاهلوا الجانب الديني عند الكاتب ، موضحين أن الدين لا يمكنه حل مشاكل الناس ومساعدتهم في العيش حياة هادئة مستقرة . وأكدوا أن الدوافع الفلسفية والاجتماعية هي الأسباب الحقيقة التي دفعت البطل لارتكاب الجريمة .

ويرى الناقد الروسي ف.إ. إيتاف أن رواية ”الجريمة والعقاب“ كان لها دورً كبيرً في تطور الأدب العالمي ، بالإضافة إلى الشهرة العالمية التي نالها الكاتب . وأوضح أن القضايا الاجتماعية آنذاك من فقر وظلم وغيرها كانت الركيزة الأساسية التي وضع الكاتب ف.م.دستيوفسكي على أساسها القضايا الفلسفية والأيدلوجية . فجريمة راسكولنيكف تعبِّر عن احتجاج الكاتب على الظلم وإهانة كرامة الإنسان . ولكن على ما يبدو ، كان الكاتب يسعى على مدار الرواية ، إلي إثبات خطأ البطل في نظريته وجريمته . لقد أدان المؤلف احتجاج البطل ، لأنه ارتكب جريمة بشعة في حق نفسه ، وأمام الله وأمام الناس .

فإذا بَرَّر لنفسه قتل المرابية العجوز بأنها امرأة سيئة لا فائدة منها فكيف يبرر قتل أختها . ومن هنا جاء عذاب الضمير والمعاناة الشديدة التي شعر بها بعد الجريمة .

كما تطرقت الرسالة إلى دراسة العديد من الأعمال النقدية في فترة ما بعد البيريسترويكا وحتى الآن ، حيث بدأت نظرة جديدة لدراسة أعمال الكاتب بشكل عام ورواية  ”الجريمة والعقاب“  بشكل خاص . كما ركز النقاد اهتمامهم لدراسة الرواية من جميع الجوانب وخاصة الجانب الديني الذي تم إهماله كثيرًا في الفترات السابقة .

وتمَّ إعادة تقييم الرواية في ظل الظروف الجديدة ، ودراسة الأهمية الدينية للرواية التي لم نكن نستطع بدونها معرفة الفكرة الرئيسة التي يسعى الكاتب لعرضها في روايته .

ويعد ف.م.دستيوفسكي (1821 – 1881) من أشهر الكتاب الروس الذين تناولوا في إبداعاتهم قضايا حيوية أثْرَت الأدب الروسي والعالمي . وفي رواية”الجريمة والعقاب“ ناقش العديد من الموضوعات الواقعية والظواهر الاجتماعية التي حدثت في روسيا آنذاك ، والتي مازالت موضع اهتمام كثير من الكُتَّاب المعاصرين .

فتناول قضايا اجتماعية وأخلاقية مهمة كانتشار ظاهرة الفقر التي دفعت الناس إلى العديد من الأعمال اللاأخلاقية كالدعارة والقتل والسرقة . إلى جانب ذلك عكس المؤلف في الرواية قضايا فلسفية ودينية حيوية .

ولكن الأديب في النهاية يؤكد من خلال البطل أنه لا يمكن خرق القانون ، وأنه لا أحد يستطيع أن يقرر مَنْ يعيش ومَنْ يموت ، ولم يشعر البطل براحة الضمير، على الرغم من عدم رؤيته عند ارتكابه هذه الجريمة البشعة النكراء ، إلا بعد الاعتراف بذنبه والرجوع إلى الله . وبذلك استطاع الكاتب أن يُسخِّر الفن عن طريق الأدب لمكافحة الجريمة ووضع نهاية لها .

شارك في المناقشة الأساتذة : نادية سلطان ، وعبد السلام المنسي ( مشرفين ) ، ومحمد نصر الدين الجبالي ، والسيد دينيس برونيكيف مدير دورات اللغة الروسية بالمركز الثقافي الروسي ( عضوين )

كتب – أماني التفتازاني

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*