“كيف يعشق الناس الموسيقى؟”

كتب : محمد هشام 

نشر أحدهم -على موقع اليوتيوب- إحدى المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية وزعم أنها لموسيقار بولندا فريدريك شوبان، فأتى أحدهم يرُد عليه قائلاً: “بالطبع أنه ليس شوبان، وهذا واضحٌ جداً!” ..

يبدو أنه مُغرَمٌ بالموسيقى إلى الدرجة التي جعلته يعرف ما هو الشوبانيّ في الموسيقى وما هو مُختلفٌ عنه، بالطبع قد سمع هذا العاشق كل ما هو له علاقة بشوبان؛ حيث وضع فريدريك حوالي مائتي وثلاثين عملاً، وقد سمع هذا الرجل منتقد ناشر الفيديو بالتأكيد لعظماء الموسيقى في أوروبا وكوّن المَلكَة التي جعلته يفرق بين أسلوبٍ موسيقيّ وآخر.

في المقطوعة الفريدة “mariage d’amour ” التي وضعها المُلحِن الفرنسي Paul de Senneville بول دي سينيفيل في 1972 قالت إحدى المستمعات: “عندما أستمع إلى هذه المقطوعة أتخيل اثنين كانا يحبا بعضهما البعض، ولكن لسوء الحظ عائلاتهما تكرهان بعضهما البعض؛ لذلك لم يستطع العاشقان المُضيّ في علاقتهما” وقال آخر تعليقاً على نفس المقطوعة: “إذا استمعت بحرص من الدقيقة 1:28 إلى 1:53 ستسمع الصوت الذي تصنعه الدموع!

 وتعجبتُ تمام العجب من المُستمعيّن على تلك الدقة في التقاط التفاصيل والمضامين من مقطوعة لم تزِد مُدتثها عن الخمس دقائق! واحدة تخيلت قصة يُشنَق أغلب قصص العاشقين على حبالها الغليظة، والآخر سمع صوت دموعه في ثلاث وعشرين ثانية! وبعدها تذكرت أن عُشاق الموسيقى هم أجدر الناس بالتقاط التفاصيل الدقيقة المُنطوية داخل ما وراء أي نص/عمل.

في المقطوعة الفريدة The Marriage of Figaro التي وضعها الموسيقار النمساوي العظيم موتسارت 1786، وهي أعظم أوبرا تتحدث عن الحب والخيانة والصفح والغفران في تاريخ أوروبا والعالم، قالت إحدى المنتشيات بها: “إنها أعظم تأليفات موتسارت، عندما أستمع إلى هذه السيمفونية، تتدفق العديد من الذكريات؛ حيث كنت أستمعُ إليها باستمرار عندما كنت صغيرة، وهي بالطبع تستدعي شعوراً دافئاً داخل قلبي، الناس الذين يفضلون الموسيقيين أمثال جاستن بيبر على هذه المقطوعة لا يفهمون أية لون في الموسيقى. الآن يريد الناس الهروب من أي شئ يتطلب التفكير أو التعقيد كما يحدث في هذه المقطوعة”.

وفي عام 1801 أهدى أعظم موسيقار عرفته البشرية سوناتاه – أي السوناتا المنسوبة إليه- ضوء القمر sonata moonlight إلى تلميذته الكونتيسه جيوليتا جيكياردي، وبالطبع يعرف عُشاق الموسيقى أنها أبدع ما أتمه لودفيج فان بيتهوفن على البيانو.

تساءلت إحدى العاشقات لهذه المقطوعة الفريد: لستُ الوحيدة التي تشعر ببعض الاهتزاز ورعشة خفيفة في سروالي عندما أستمع إلى تلك المقطوعة، أليس كذلك؟! وجاء آخرٌ يقول -وأُسَطِر قولته دون ترجمة وسألحق ترجمتها بعدها؛ لأن في رأيي جملته عبقرية وبها الكثير من المعاني التي يُلقِم بها الجميع، ومهما بلغت عبقرية المُترجِم وعبقرية الكلمة المُترجَمة لن تكون الترجَمة المُكافئ الموضوعي الدقيق للنص المُتَرجَم وهي قضية لها محلاتها من النقد والنقاش، قال الولد: ” I enjoy watching this when I watch all the people chat around me while I sit by myself in a corner”.

وهنا يقول: “أستمتع بمشاهدة هذا حينما ألحظ كافة الناس يتراسلون حولي، في وقتٍ أجلس فيه بمفردي في حجر الزاوية”

في إبداعه العظيم “الفصول الأربعة” نشر عظيم إيطاليا أنطونيو فيفالدي أربعة مجموعات موسيقية متلاصقة؛ مُحمّلاً إياها الفصول الأربعة وذلك عام 1725 ووضع حجر الأساس لهذه الموسيقى عام 1723، وقام فيها بمحاكاة ظواهر الطبيعة كالبرق والعواصف والشتاء، وأرى هذه الفصول هي أقرب الأعمال الموسيقية الكاملة إلى قلبي، ورأيت كثيرين من رواد هذه المجموعة كلٌ يتحدث عن الفصل المفضل إليه داخل مجموعة فيفالدي؛ مع أنني رأيت الغالبية تحبذ صيفه، وتحدث إحدى العاشقات لهذه السيمفونية قائلةً: “الموسيقى الحديثة تجعلنا نُحرِك سُفننا، أما الموسيقى الكلاسيكية تهز الأرواح” ذاك التعبير الذي ينم عن عشقها الخاص لكل ما هو له علاقة بالكلاسيكية، وعلّق آخرٌ عندما لاحظ أنه قد استمع لهذا العمل أكثر من سبعين مليون زائر على موقع يوتيوب: “71 مليون! لا زال هُناك أمل في الجنس البشري”.

وهناك من اعتبر أن الموسيقى هي معتقده الأسمى ودينه الأوحد فكتب أحدهم تعليقاُ أيضاً على إبداع أنطونيو: “ديني يُحرِم الموسيقى والعزف على الآلات الموسيقية، عندما أستمع إلى أعمال موتسارت، فيفالدي وباخ، أسأل نفسي: “لماذا؟! لماذا يتم تحريم مثل هذه الروائع الجميلة؟! والآن لقد هجرت ديني، من أجل ذلك، وسعيدٌ بقراري” فرد عليه اثنان، قال أحدهم: “لقد وجدتُ أخيراً الدين الحقيقي والرب الحقيقي”، ورد آخر: “مرحبا بك في الحياة”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*