ملتقى العلاقات المصرية عبر العصور

«الأعلى للثقافة» يقيم «ملتقى العلاقات المصرية الروسية عبر العصور»

كتب – خالد بيومى

نظم المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع السفارة الروسية بالقاهرة مؤخرا «ملتقى العلاقات المصرية عبر العصور» والذى غاب عنه وزير الثقافة حلمى النمنم، أشارت الدكتورة زبيدة عطا مقرر لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة أنه قد سبق هذا الملتقى عقد ما يقرب من ستة مؤتمرات بين الجامعات والمعاهد الروسية وبين جامعة حلوان تتناول حقوق الإنسان حوار الحضارات والعولمة.

أما الدكتور على بركات مقرر المؤتمر فتساءل: هل يمكن أن تظل العلاقات المصرية الروسية علاقات استراتيجية مهما تغير الحكام فى الدولتين؟، وعبر عن أسفه عن قيام السادات بطرد الخبراء الروس من مصر لأن 99% من قواعد اللعبة أصبحت فى يد أمريكا رغم وقوف الصديق الروسى بجوار مصر فى بناء السد العالى وحرب الاستنزاف وإنشاء البنية التحتية المصرية، ولكن يمكن التماس العذر للسادات فى هذا الإجراء حتى لا ينسب نصر حرب أكتوبر للخبراء الروس.

وأشاد بركات بالدور الثقافى للشيخ محمد عياد الطنطاوى أول معلم للغة العربية فى جامعة بطرسبرج الذى سافر إلى هناك فى عهد محمد علي، وقدم العديد من المخطوطات بعضها نشر والبعض الآخر لم يتم تحقيقه بعد.

أما الدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة فأشارت إلى أن جذور العلاقات الثقافية بين مصر وروسيا تعود إلى زمن محمد على الذى أرسل أربعة من خيرة الشباب المصرى لدراسة التعدين فى سيبيريا، كما بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر فى وروسيا عام 1943 فى عهد الملك فاروق، وأضافت يرجع للروس فضل تمويل السد العالى ومصانع الألمونيوم فى نجع حمادي، ومصانع الحديد والصلب فى حلوان.
وتحدث الدكتور مسعد عويس عن البعثات المصرية إلى روسيا، حيث أكد أن العلاقات الشعبية والثقافية والإنسانية والاقتصادية بين مصر وروسيا تمتد إلى عدة عقود من الزمان، أما العلاقات على المستوى السياسى فى العصر الحديث فتمتد إلى نحو سبعين عاماً «1943 – 2016».

وأشار عويس إلى أن البعثات المصرية إلى روسيا والاتحاد السوفيتى سابقاً، بدأت منذ عقود من الزمن، وزادت عقب الموقف المؤيد لمصر فى بناء السد العالى ومجمع الألمنيوم وعشرات المصانع وتزويد مصر بالأسلحة، فضلاً عن انتعاش التجارة والسياحة والفنون والآداب .

وتحدث الدكتور محمد بديوى عن رحلات الحجاج الروس بين مصر والأراضى المقدسة فى العصر العثماني، حيث تأتى أهمية مصر الدينية فى نفوس مسلمى العالم الإسلامى منذ أن أصبحت حاضرة للخلافة الإسلامية فى أواخر العصور الوسطى ثم الحديثة، والتى صارت بموجبها المركز الدينى الأول فى العالم الإسلامى بتأثير ما سعى إليه حكامها -آنذاك- من نفوذ دينى فى بلدان الحرمين الشريفين، ودروهم الكبير فى تنشيط الحياة الدينية والسياسية لدى العالم المسيحى بعد سقوط القسطنطينية، وتخلصهم من المستعمر المغولي، مما كان مدعاة لاهتمام الروس بالشرق الإسلامى، وما لبث أن أخذ هذا الاهتمام يضع ضمن مساراته، مساراً دينياً يسير فى اتجاهين أحدهما يتمثل فى تشجيع مسيحيى الروس على زيارة القدس مروراً بمصر، والآخر يتمثل فى تشجيع مسلمى الروس على أداء فريضة الحج مروراً بمصر.

وتحدث الدكتور طارق منصور عن صورة المجتمع الروسى الوسيط عند الكتاب العرب، حيث تكاد تكون المصادر العربية الباكرة هى المعين الأهم إن لم يكن الأوحد عن تاريخ روسيا فى العصور الوسطى، وهو التاريخ الباكر لروسيا التى شكلت نواة الاتحاد الروسى فيما بعد، أو اتحاد الإمارات الروسية.

وتلقى هذه المصادر سواء رحلة الوزير العباسى أحمد بن فضلان، أو تجارب الأمم لابن مسكويه، أو الفهرست لابن النديم وغيرها، الضوء الساطع على حياة الروس الباكرة وعاداتهم وتقاليدهم، وذلك إلى جانب الحولية الروسية الأولى، وغيرها من المصادر العربية. ومن خلال الاطلاع على تلك المصادر الباكرة تتضح بجلاء الملامح العامة للمجتمع الروسى الذى كان عماده: التاجر، المقاتل، الحروب الإقطاعية بين الأمراء والقبائل الروسية، وحياة الأمير الروسى ما بين زوجاته وجواريه، والحياة الدينية وغيرها من الملامح العامة للمجتمع الروسى فى العصور الوسطى.

أما د.محمد رفعت الإمام فألقى الضوء على توافد الروس إلى مصر خلال فترة «1917- 1947»، حيث توافد الروس إلى مصر منذ العام 1917، وبقيام الثورة البلشفية وتبنى الأيديولوجية الماركسية، دخل الروس فى دوائر العناصر المحظورة، داخل الأوساط المصرية، ولكن الصحيح أن كل الروس فى مصر لم يكونوا من دعاة الشيوعية. ومن المفارقات أن مصر استقبلت وفوداً من الروس المنتمين إلى الحقبة القيصرية، وعاشوا بها كلاجئين. وهكذا عاش القياصرة والبلاشفة معاً، وجنباً إلى جنب فى مصر، ولكنهم جميعاً دخلوا دائرة المتابعات والملاحقات الأمنية.

وتحدث د.أسامة فهمى عن معادلة القوة بين مصر وروسيا بعد ثورة 30 يوينو، حيث كان الموقف الروسى تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو مبعث فخر للمصريين الذين كانوا ينتظرون من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى كان يجابه الصلف والغرور الأمريكى الطامع لتدمير الشرق الأوسط ودرته مصر، وبصرف النظر عن المصالح الروسية تجاه حركات الإسلام المتشدد أو توازن قوة عالمية للنفوذ الروسى فى سوريا، أو مسائل دولية أخرى، إلا أن الموقف الروسى الواضح منذ البداية والوقوف بقوة مع مصر بعد ثورة 30 يونيو، ومساندة قوية بلا حدود، منذ البداية مع طموح الشعب المصرى والمساندة القوية للثورة المصرية، ضد مؤامرات الإخوان المتشابكة مع مؤامرات أمريكية وإقليمية تستحق التحليل والنظر.

أما د.رفعت السعيد فقد تحدث عن نشأة الماركسية فى مصر، حيث كانت مصر بسبب عديد من العوامل أول بلد فى الشرق الأوسط وأفريقيا تطل عليه لمحات الماركسية، ففى 18 مارس 1894م قبض على أحد اليونانيين وهو يوزع منشورات تدعو العمال للاحتفال بذكرى نهضة الكوميون عام 1871م «كوميون باريس»، ونشرت عدة صحف خبراً عن المنشورات، وقالت إن أصحابها إباحيون «بمعنى أنهم يبيحون تملك الأموال والثروات للجميع على قدم المساواة»، ثم إن ورود عمال أجانب ورؤوس أموال أجنبية وتجاور العمال معاً «مصريين وإيطاليين ويونانيين وأرمن وغيرهم» فى المصانع قد منح العمال المصريين القدرة على التقاط أفكار وأساليب عمل ونضال نقابى من شركائهم أمام الآلات وخلق حالة فريدة.. وهى سرعة نمو الطبقة العاملة المصرية حتى قبل نشوء برجوازية مصرية، ويمكننا تتبع آثار التأثير الأجنبى على الفكر الماركسى المصرى الوليد عبر مجموعة من التقارير الأمنية عن عدة شخصيات أجنبية وعبر متابعة التحركات العمالية، خاصة من اليونانيين والأرمن.

وأضاف «السعيد»: رغم أن الجالية الروسية كانت قليلة العدد بالنسبة للجاليات الثلاث الأساسية «اليونانية – الإيطالية – الأرمينية»، فإن عدداً من الشخصيات الروسية لعبت الدور الأساسى فى نشر الفكر الماركسى وتأسيس قواعد العمل الثورى والعمالي، ولعل أهمهم هو روزنتال وابنته شارلوت، والذى صار شخصية مهمة ومحط اهتمام بالغ من مختلف الأجهزة، كما كان أيضاً محط اهتمام المثقفين المصريين، وخاصة ذوى الاتجاهات الاشتراكية منهم الذين سعوا إليه عندما بدءوا التفكير فى تأسيس حزب اشتراكى.

وتضمن فعاليات الجلسة الأولى لليوم الثانى لملتقى العلاقات المصرية الروسية عبر العصور بحث د.محمد صبرى الدالى «تجربة النهضة فى روسيا ومصر دراسة مقارنة بين عهدى بطرس الأكبر ومحمد علي»، حيث ربطت بعض الكتابات التاريخية بين تجربة محمد على باشا «1805-1848م» فى الإصلاح والتحديث بمصر، والإصلاحات التى كانت تحدث فى الدولة العثمانية منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي، فإن معظم الكتابات اعتادت ربط التحديث فى مصر بالغرب عامة، وبالدور الفرنسى خاصة، وفى كل ذلك لا تذكر تلك الكتابات شيئًا عن أية مصادر أخرى لهذا المشروع التحديثى بأبعاده المختلفة وتساءل إلى أى مدى يمكن أن يكون محمد على باشا قد استفاد فى المشروع الإصلاحى والتحديثى الذى قاده بمصر بتجربة الإصلاح والتحديث فى روسيا فى عهد القيصر بطرس الأكبر «1682-1725م» وفى النهاية يعكس هذا البحث مشروع دراسة تاريخية موسعة يحاول الباحث إعدادها للمقارنة بين مشروع النهضة فى كل من روسيا ومصر فى العصر الحديث، وعقب د. محمد رفعت الإمام فى بحثه عن «الروس فى مصر «1917-1947» دراسة فى التعدادات المصرية»، على الاختلافات بين محمد على وبطرس فى تقييم الإصلاحات بينهما، وتُعد الجاليات الأجنبية والطوائف الملية ظاهرة فريدة فى التاريخ المصرى الحديث؛ فقد استقطبت مصر الحديثة معظم جنسيات وعرقيات العالم الذين تكالبوا عليها قطفًا لثمار التحديث ومشروعات البنية التحتية، مستغلين الامتيازات السياسية والاقتصادية، ومستفيدين جيدًا من روح قبول الآخر.

وفى مقابل عوامل الجذب المصرية المتعددة والواسعة، ثمة عوامل طرد فى المنبع حَرّكت أفواج المهاجرين والمهجرين واللاجئين للمصري، وفى هذا السياق، توافد الروس إلى مصر منذ عام 1917، وأشارت د.لطيفة محمد سالم فى بحثها عن «الملك فاروق والاتحاد السوڤييتي» الذى تضمن ربط العداء بين الملكية فى مصر والأيديولوجية الشيوعية، هو أمر طبيعى لتفادى الاتجاهين. وأن فاروق ورث عن أبيه الملك فؤاد هذا العداء، وشاركته الأحزاب التقليدية ومصر الفتاة والإخوان المسلمون. ومع إعلان الحرب العالمية الثانية وارتفع مؤشر ذلك، ونقل السفير البريطانى فى مصر لحكومته بعد مقابلته للملك فى 29 سبتمبر 1939 موقفه الرافض للسوفيت، مبديًا تخوفه من انتشارها، مصرحًا بأنه يُفضل النازية عنها.

وقد نقل فاروق هذا الشعور إلى القادة العسكريين البريطانيين مهاجمًا الروس، وفى الوقت نفسه أبدى إعجابه بهم كمقاتلين، كما تناولت د.زبيدة محمد عطا بحثًا بعنوان «السد العالي» الذى احتوى على حياة مصر مرتبطة بالنيل، وتضمنت نصائح الحكماء الحرص على مياه النيل، الذين قدروا أهميته.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*